[فوائد قيام الليل]
أيها الأحباب! إن في قيام الليل فوائد كثيرة، فإليك نبذة منها: أول فائدة من هذه الفوائد: أن العبد إذا قام من الليل وصف قدميه لمولاه عابداً خاشعاً سهل الله عليه سبحانه وتعالى القيام يوم يقوم الناس لرب العالمين، ومن استراح هنا تعب هناك، والجزاء من جنس العمل، فمن استراح في الدنيا سيتعب هناك والعكس صحيح، فمن أتعب نفسه في الدنيا فإنه سيجد الثمرة يوم القيامة، وليس المراد أتعب نفسه في شقاء الدنيا وتعبها، أو في جمع المال بطرقه المشروعة وغير المشروعة، بل أتعب نفسه وأجهد قلبه، وأجهد جسده في طاعة مولاه فإنه سيقطف ثمار عمله يانعة يوم القيامة.
الفائدة الثانية: أن من أكثر من قيام الليل من الرجال بالذات فإن الله سبحانه وتعالى سيزوجه من الحور العين تعويضاً له عن ترك الفراش الوثير، والزوجة الحسناء لأجل التعبد لرب الأرض والسماء.
الفائدة الثالثة: صحة جسم القائم لله سبحانه وتعالى، وصفاء روحه وبهاء وجهه، وقد مر بنا قول القائل للحسن البصري: ما بال الذين يتهجدون أحسن الناس وجوهاً؟ فقال: لأنهم خلوا بربهم فألبسهم نوراً من ونوره.
الفائدة الرابعة: أن الفتوحات الربانية، والتوفيقات الإلهية، والإلهامات الجلية تتم بفضل قيام الليل، يقول الباري سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].
وكم من عالم استغلق على فهمه مسألة فقام يناجي ربه في جوف الليل البهيم ففتح الله عليه، ويسر له ما كان معسراً من قبل، ولذلك يقول السبكي رحمه الله: الفوائد ترد في ظلمات الليل.
وقد علمنا من خلال قراءتنا لسيرة الإمام البخاري رضي الله تعالى عنه، أنه كان يقوم في الليل أكثر من عشرين مرة، فيوقد السراج ثم يكتب المسألة، ثم ينام، ثم يقوم فيوقد السراج ويكتب المسألة، فكان حين ينام يتفكر ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يسلم ويكتب مسألة إلى أن أخرج لنا هذا السفر العظيم الذي تلقته الأمة بالقبول منذ ظهر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الفائدة الخامسة: أن الله سبحانه وتعالى يمتع القائمين برؤية وجهه الكريم يوم القيامة، فكما أنهم تلذذوا بمناجاته في الدنيا فسيكمل لهم الباري سبحانه هذه اللذة برؤية وجهه الكريم يوم القيامة، وهي الزيادة التي وعد بها في قوله سبحانه وتعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦].
أيها الحبيب المبارك! إن الليل موطن تَنَزلُ الرحمات، ونزول رب الأرض والسموات، فعليك باغتنامه بالطاعات، والإكثار من القربات، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟).
ويقول المصطفى عليه السلام: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة)، ففي كل ليلة ساعة استجابة من أدركها أدرك خيري الدنيا والآخرة، لكنا عن ذاك غافلون، وفي هذه الساعة مفرطون.