[من العوامل المؤثرة في البيت: الأسرة]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أيها الأحبة! أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإن الحديث عن البيت حديث ذو شجون، فالبيت عموماً يعد مؤسسة مستقلة، له منهجه الاقتصادي، والاجتماعي والإداري، فهو مؤسسة مستقلة لها مدير، وفي هذه المؤسسة أعضاء يديرون هذا الصرح؛ ليسير إلى خط يريده مدير هذه المؤسسة.
والبيت عماد الأسرة التي تتكون من الأب والأم والذرية والأحفاد، وتتكون من الجد والجدة، والإخوة والأخوات إن كانوا موجودين، هذا البيت إذا أردنا أن نتحدث عنه من ناحية العمار لا بد أن نسلك خطاً مستقلاً، وإن أخذنا الجانب السيئ الذي قد يحصل في بعض البيوت فلا بد أن نأخذ جانباً آخر.
لا تكاد تجد بيتاً إلا وفيه شيء من هذا العمار وشيء من ذاك الدمار، لا تكاد تجد بيتاً إلا وعليه ملاحظات إلا ما رحم الله وقليل ما هم، وكلما صفا البيت وارتقى في جو السماء ليقترب من الملائكة كان ذلك بيتاً ملائكياً إن صح التعبير، وكان ذلك البيت بيتاً سماوياً مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، وكلما انحدر في براثن الفساد وأسرع إلى دمار نفسه اقترب من الشيطان، حتى صار بيتاً شيطانياً، وبين هذا البيت وذاك البيت بيوت كثيرة على درجات متعددة.
أيها الأحبة! رب البيت هو ملك البيت، فإن صلح صلح هذا البيت، وإن فسد فسد هذا البيت، وهو القائد الأعلى الذي يتحكم في شئون البيت ويدير دفته، ويوجهه الوجهة التي يريد، فإن كان يسير بالأسرة السير السليم كانت النهاية سليمة، والعكس هو الصحيح، يقول الشاعر: إذا كان رب البيت بالطبل ضارباً فلا تلم الصبيان فيه على الرقص ويقول آخر: رأيت صلاح المرء يصلح أهله ويعديهم داء الفساد إذا فسد يعظم في الدنيا بفضل صلاحه ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد أيها الإخوة! لقد ركز ديننا الإسلامي تركيزاً شديداً على مسألة الأسرة، وأعطاها أهمية قصوى، ولو تتبعنا النصوص الشرعية في القرآن والسنة لوجدنا الشيء الكثير الذي يطرق ذا أو ذا بشكل موسع، ولو أردنا أن نستقصي الآيات والأحاديث والقصص المرتبطة بالبيت لكان ذلك أمراً عسيراً؛ لأن الإسلام ما جاء إلا لإصلاح الفرد الذي هو جزء من الأسرة، وما جاء إلا لإصلاح الأسرة التي هي جزء من المجتمع، وما جاء إلا لإصلاح المجتمع الذي هو جزء من الأمة.
إذاً: فالإسلام هو دين الأمة، وتلاحظون أن الفرد هو الأساس، فإذا صلح الفرد صلحت الأسرة وصلح المجتمع وصلحت الأمة، وإن كان العكس فإن مآل الأمة إلى الضياع والتشتت والتفرق والفساد.
هذه وقفات مع بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول البيت وما يتعلق به، ترد علينا تباعاً خلال هذا اللقاء الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعني به أولاً وينفعكم به بعد ذلك.
أيها الأحبة! هذه المحاضرة ستطرق جوانب وعوامل من مؤثرات البيت، فالبيت يتأثر بعدة عوامل: العامل الأول: الأسرة.
العامل الثاني: الأطفال، وركزنا على الأطفال؛ لأنهم حيوية الأسرة، فإذا فقدت الأسرة الأطفال أو لم ترزق بأبناء كان هذا البيت بيتاً يشبه المقابر، والذين ابتلاهم الله بعدم وجود الأطفال يحسون بذلك، وهذا ابتلاء يحتاج إلى صبر وجزاؤه الجنة إن شاء الله.
العامل الثالث: من العوامل المؤثرة في البيت: الخادم أو السائق أو كلاهما.
العامل الرابع: الأجهزة التي تعمل في البيت ليل نهار أياً كان نوعها.
العامل الخامس: تصميم البيت وشكله ومظهره وداخله وما يتعلق بذلك.
العامل السادس: جيران صاحب المنزل وما يتعلق بهم.
العامل السابع: الأسواق والمحلات المحيطة بالمنزل وهكذا.
إذاً: تجدون أن البيت لكي يصبح بيتاً عامراً بالخير والنصح وبالتربية السليمة فلا بد أن يأخذ بالعوامل الإيجابية المؤدية إلى الخير والإعمار، أما إن كان بيتاً فاسداً يسير إلى الدمار فلا بد أن يكون متأثراً بالعوامل السلبية المؤدية إلى الدمار، ولذا سنتعرض لهذه العوامل عاملاً عاملاً أو واحداً واحداً، ثم نقف معها وقفات مختصرة مركزة، ونربط ذلك بالواقع المعايش وبالأمثلة المحسوسة الملموسة.
أولاً: الأسرة، الأسرة كما تعرفون هي نواه المجتمع، فكلما تجمعت أسرة صالحة طيبة كان ذاك مجتمعاً سليماً متجهاً إلى الخير، وكلما كان العكس كانت هذه الأسرة نواة لمجتمع فاسد وضال، وهذا أمر تشاهدونه بأنفسكم، فإن الأسر تختلف والمجتمعات تختلف، والمجتمعات تختلف بحسب صلاح الأسرة وفسادها، ولذلك في هذا اللقاء ركزنا على موضوع الأسرة، فلكي تكون أسرتي أنا وأنت وأخي وأخوك أسرة صالحة لا بد من التركيز على القضايا التالية، حتى يكون بيتاً عامراً بالحق، وإن فقدنا هذه النقاط أو بعضاً منها أدى ذلك إلى أن يكون البيت عامراً بالفساد ويشرف على الدمار، وهناك نقاط إذا أخذ بها كان ذلك علامة خير وعمار، وإن تركت وفرط فيها كان ذلك بداية شر ودمار.