تعرفون نوحاً عليه السلام، لكن تخيل معي لو أنك داعية إلى الله في بيتك -وكلنا دعاة في بيوتنا بلا استثناء- فإذا بك تفكر في جارك، أو في ابنك، أو في قريبك الذي انحرف عن جادة الصواب، وأردت أن تدعوه، وبدأت تدعو حتى أمضيت خمس سنوات وأنت تدعو باستمرار، وفي نهاية المطاف استجاب لك هذا القريب وصلح حاله، فإنك ستقول: وا أسفاه على الوقت، لقد أمضيت وقتاً طويلاً جداً خمس سنوات في الدعوة، وفي النهاية التزم رجل واحد.
لكن نوحاً عليه السلام أول المرسلين، أمضى تسعمائة وخمسين سنة وهو يدعو إلى الله، يدعو الآباء، ثم يدعو الأبناء، ثم يدعو الأحفاد، فقد قال عليه الصلاة والسلام واصفاً هؤلاء:{وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:٢٧]، وهذا فيه دلالة على أنه يعاصر الأجيال باستمرار، تسعمائة وخمسين سنةً وهو يدعو ويبذل، وكانت النتيجة بشكل عام:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:٤٠].
يذكر بعض علماء التفسير: أن عددهم مائتين والبعض يذكر مائة، وبعضهم قال: عشرة رجال فقط في تسعمائة وخمسين عاماً، يعني: كل خمس وتسعين سنةً واحد فقط، وهو نبي الله نوح ليس أنا ولا أنت، بل هو نبي الله نوح أول المرسلين عليه السلام.
ومع ذلك فلم ييأس ولم يكل ولم يتوقف، حتى جاءه الأمر الإلهي، قال سبحانه وتعالى:{أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود:٣٦].
وهنا انتهى الأمر وتوقفت الدعوة بعد تسعمائة وخمسين سنةً بدون يأس، أليس لنا في ذلك دروس وعبر؟ أليس هذا الهم الذي حمله نوح عليه السلام يعطينا دروساً في أن نجعل هم الدعوة وهم الإسلام ونشر الخير هو الأصل في جميع تفكيرنا؟