إن البراء بن مالك أخ لـ أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم:(رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك).
قاد خالد بن الوليد الجيوش المتجهة إلى منطقة نجد في اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وإذا بـ مسيلمة ينهزم ويدخل في حديقته المسورة، مكث فيها هو وجيشه البالغ عدده ثلاثون ألف رجل، ليرتاحوا قليلاً، ولينظموا أمورهم، ويعيدوا ترتيب أوراقهم، وبعد ذلك يهاجمون المسلمين.
فقال أبو دجانة لـ خالد بن الوليد: اجعلني على ترس، واجعل الترس على رءوس الرماح، ثم احملني وألقني عليهم، فرفض خالد فأصر أبو دجانة، ففعل به ذلك، فسقط أبو دجانة على الجيش، فقاتل وحاول أن يفتح الباب، ولكنه لم يستطع فقتل، فلما انقطع صوته عرف أهل الإسلام أنه قتل، فقام البراء بن مالك وقال: افعلوا بي مثلما فعلتم بـ أبي دجانة، فقال له خالد: لا، قال: أقسمت عليكم لتفعلن ذلك، فحملوا البراء.
تخيلوا معي جميعاً أبا دجانة والبراء، كانا على الترس ينظران وإذا بجيش قوامه ثلاثون ألف جندي داخل الحديقة، ويتخيل بيته وأولاده وزوجته، له زوجة يحبها، وله أولاد يشفق عليهم وهم ينتظرونه ويقولون: لا تتأخر علينا يا أبانا! عد إلينا بالسلامة وربما يتخيل مزرعة له، وربما يتخيل مالاً يستثمره، ربما ربما، كل ذلك تركه في طي النسيان ولم يلق له بالاً، إنما كان همه الأول والأخير أن يفتح الباب، ليدخل أهل الإسلام فيقضون على أهل الشرك.
حتى لو مات، حتى لو داسته الخيول، وجعلته لحماً على التراب، فحمل رضي الله عنه وألقي، فقاتل ببسالة إلى أن فتح الباب، ثم سقط مغشياً فتفقده خالد بن الوليد فرأى فيه أكثر من ثمانين ضربة، بسيف أو برمح أو بسهم، حتى إن أنس بن مالك قال: إن بعض الجروح في أخي البراء أدخل فيها أصبعي بعد أن شفي ولا أصل إلى قعره.
الله أكبر، تبحث عن ماذا أيها البراء! تبحث عن شهرة؟ تبحث عن عزة؟ تبحث عن مكانة؟ تبحث عن مال؟ لا، تبحث عن الشهادة، تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.