أيها الأخ المبارك! اعلم حفظك الله ورعاك: أن قيام الليل هو طريق الصالحين، وسبيل العالمين، وتكفير لذنوب المذنبين، وهداية للعاصين، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:(عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة للإثم).
وفي صحيح مسلم أن المصطفى عليه السلام قال:(أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل).
وأحب أن أشير هنا إلى نقطة هامة يركز عليها العلماء كثيراً وهي أن قيام الليل مجاهدة للنفس، وهي بحق كذلك؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، فقيام الليل مجاهدة، ولذلك تجد أن كثيراً من السلف يقول: جاهدت نفسي سنيناً طوالاً فتلذذت في آخر الأمر بقيام الليل، فالأمر إذاً مجاهدة وبذل في أول الأمر، ثم بعد ذلك يتمتع الإنسان في آخره، ومثل ذلك مثل البناء، فإن الإنسان إذا أراد أن يبني سكناً أو متجراً وهو لا يملك إلا خطة غير ممولة للبناء فإنه ولا بد سيقوم بالضغط على النفس ويعمل دأباً في الليل والنهار حتى يتم البناء، ثم يتمتع بالسكن فيه إن كان أراده للسكن، وهذا فيما يتعلق بالمادة، وكذلك فيما يتعلق بتربية الروح، فقيام الليل إذاً: مجاهدة للنفس، وتقوية للإرادة، وشحذ للعزيمة، ومغالبة للشيطان، وترغيباً للجسد، ومقاومة لرغبات الهوى ونزغاته.
أيها الأخ الحبيب المبارك! والناس نيام فيه تجرد، وفيه إخلاص لله سبحانه وتعالى، وتخلية للقلب عن أي أثر من آثار الرياء؛ لأن الغالب في الليل أنه لا أحد يراك من البشر، ولا يستمع إليك، ولا يرى فعلك، فيكون في ذلك صفاء للقلب، وحياة للروح.
قم في ظلام الليل وادع مهيمناً يداك إليه في الدجى تتوسل وقل يا عظيم العفو لا تقطع الرجا فأنت المنى يا غايتي والمؤمل