امرأة كبيرة في السن، عمرها الآن يكاد يقترب من الثمانين، ولكن هذه المرأة أيها الأحبة! تفوقنا جميعاً فيما يتعلق بالدعوة والحرص عليها، هي غير متعلمة ولا تقرأ ولا تكتب، ولكنها تنهج منهجاً دعوياً يصعب عليها تركه.
يقول هذا الرجل الذي يحدثني بنفسه عنها إبان الدعوة إلى جمع التبرعات لبعض الجماعات المتميزة في أفغانستان، يقول هذا الأخ: جاءني مجموعة من الأشخاص من الأفغان، وقالوا: نريد أن نجمع مبلغاً من المال لإنشاء معهد شرعي في المنطقة الفلانية، يقول هذا الرجل: وليس لدي شيء، فاتصلت بعمتي وقلت: نريد ثلاثين ألفاً لمعهد كذا وكذا في المكان الفلاني فما رأيك يا عمة؟! قالت: أنا ليس لدي شيء، قلت: يا عمة! القصة كذا وكذا، والإخوان عندهم حجز غداً للعودة، فلا بد من تدبير المبلغ، قالت: إذاً: اتصل بي بعد العشاء إن شاء الله، يقول: فاتصلت بها بعد العشاء وإذا بها تقول: المبلغ موجود.
يقول: مررت عليها وأخذت الثلاثين ألفاً، وسألتها: من أين جئت به؟ كيف صنعت يا عمة؟! قالت: اتصلت بأحد أقربائي وطلبت سلفة ثلاثين ألفاً وجاء بها إلي، ولكني لا أستطيع أن أسدده، فقلت لابنتي الصغيرة: تعالي، فجاءت، فقلت لها: أعطيني دليل التلفون، وأعطيني التلفون، يقول: فبدأت تتصل: أم محمد! ما رأيك في مشروع كذا وكذا وكذا، ووضعه كذا، أم محمد مائتين ريال، أم صالح أربعمائة، أم عبد العزيز خمسمائة، أم كذا أربعمائة، أم أم، قالت: إلى أن استوفينا ثلاثين ألفاً، لاحظوا أيها الأحبة! كيف حضرت المبلغ بعد طلبه بساعات، وبذلت من أجل ذلك الجهد؟ والدال على الخير كفاعله، فهذه امرأة كبيرة في السن وأمية، ولكن انظروا كيف فعلت؟ أليست أيها الأحبة! تفوق الكثير من الدعاة إلى الله بهذا المنهج.
أقول هذه القصص؛ لكي يكون في ذلك نبراساً لنا، ودروساً لنا، وتجارب لنا في مسائل حياتنا، ومسيرتنا العلمية والدعوية، لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها جميعاً، وأن يجعلها إن شاء الله معينة لنا على التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى نصرة دينه.
وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.