قبل أن أنتقل إلى بيان النقطة التالية تحضرني قصة تبين مدى علو همة المرأة، وهي قصة لامرأة كانت تعيش في الجاهلية أسلمت وحسن إسلامها، هذه المرأة هي هند بنت عتبة بن ربيعة، وكانت متزوجة بـ الفاكه بن المغيرة في الجاهلية، وعاشت مع زوجها حياة مستقرة مستريحة البال، وكان زوجها الفاكه له أصدقاء وزملاء وزوار، وفي يوم من الأيام كان جالساً في بيته مع زوجته، وكانت زوجته قد ألقت عنها بعضاً من ملابسها باعتبار أنها حرة في بيتها، فعنّ للفاكه بن المغيرة غرض يريد أن يأتي به من مكان ما، فخرج من البيت مسرعاً، وجاء رجل من زملائه فدخل البيت على اعتقاد أنه موجود، وعندما دخل رأى المرأة فخرج مسرعاً؛ لأنه لم يجد هناك رجلاً، وفي أثناء خروجه من البيت مسرعاً كان الفاكه قد جابهه ورآه، فشك في امرأته أنها قد وعدت الرجل وفعلت ما فعلت، فاتهمها وتركها تذهب إلى بيت والدها، فقال لها عتبة: اسمعي يا بنية إن كان صادقاً فأخبريني، فإني سأرسل إليه من يقتله غيلة - فـ عتبة بن ربيعة كان زعيماً من زعماء قريش، وقد قتل كافراً في معركة بدر - وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن، قالت: لا والله يا والدي إنه كاذب، فقال: يا فاكه هلم لأحاكمك، فذهبوا سوياً إلى هذا الكاهن، ثم بعد ذلك خافت هند بنت عتبة وقالت لأبيها: إننا نقدم على رجل يخطئ ويصيب، فقال والدها: سأختبره، فأخذ حبة شعير ووضعها في إحليل فرسه، فذهبوا إلى الكاهن وقال: أخبرني ماذا خبأت لك؟ فقال: قد خبأت لي حبة شعير في كذا وكذا، فقال له: هذه مجموعة نسوة فيهن امرأة متهمة فأخبرني عنها، فمر عليهن ثم ضرب على كتفها وقال لها: قومي غير وحشاء ولا زانية، وستلدين ولداً يقال له: معاوية، فنهض الفاكه بن المغيرة فأخذ بيدها فنترت يدها من يده، فتزوجها أبو سفيان وأنجبت منه مجموعة من الأبناء ومنهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، ومر عليها بعض متفرسي العرب فقال لها: إنني أتوسم فيه أن يسود قومه، قالت هند: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.
أي: فقدته إن لم يسد إلا قومه، فهي تريد منه أن يسود العرب بأجمعهم.
انظروا علو همة هذه المرأة، وكيف أنها ربته حتى كبر، وفعلاً وصل الأمر به إلى أن ساد العرب والعجم مع جمعياً.
أقول: إن المرأة ينبغي أن تضع نصب عينيها أن تكون ذات همة عالية في مجال التربية، وفي مجال الدعوة، وفي مجال الالتزام، وفي مجال الإشراف على نفسها وبيتها ومجتمعها، فالهمة العالية لابد أن تكون نصب عينيها باستمرار من جوانبها ومن منطلقاتها.
وينبغي للمرأة أن تعي وتعلم أن النصوص الكثيرة التي وردت في كتاب الله تعالى وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يختص بها الرجل فقط، بل تعمهما، فكل نص يأتي في كتاب الله فإن المقصود به الرجل والمرأة إلا ما استثني، وبالتالي فلابد للمرأة أن تعي هذه المسألة، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥] فإن الخطاب هنا ينصب على الرجال والنساء، فأنت أيها الرجل تدعو إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والمرأة كذلك تدعو إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فالخطاب للرجل، المرأة سواء.
كذلك قول الله سبحانه وتعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}[يوسف:١٠٨] فهذا الخطاب لنا جميعاً، فأنا أدعو إلى الله على بصيرة وأنتِ تدعين إلى الله سبحانه وتعالى على بصيرة.
كذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)، وفي الحديث:(والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، فالرعاية هنا تشمل الدعوة والالتزام، والتربية، وتشمل جوانب متعددة كلها تدخل تحت لفظة الرعاية.
فأنت أيتها المرأة المسلمة راعية في بيت زوجك، تدعين أولادك وتربيهم، وتشرفين على زوجك، وتدعين من تزور بيتك من النساء، وكذلك من يزور بيتك من الرجال الذين لك علاقة وصلة بهم.
إذاً: أنت أيتها المرأة المسلمة راعية في هذا البيت، وستسألين أمام الله سبحانه وتعالى {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨ - ٨٩]: ماذا فعلت وماذا عملت وماذا قدمت؟!