[من منهج السلف في تلقي العقيدة أنهم لا يتعصبون لأحد إلا للرسول]
النقطة الرابعة: أنهم لا يتعصبون لأحد إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا البشير الهادي النذير صلى الله عليه وسلم.
فهم لا يتعصبون لجماعة ولا لحزب ولا لتجمع ولا لفكر ولا لمنهج، إنما التعصب هو لما قاله المصطفى عليه السلام؛ ولذلك ورد عن كثير من أئمة السلف كالإمام أحمد والشافعي والإمام مالك وغيرهم أنهم كانوا يقولون مقولات متشابهة: إن الحق هو هدفي، وما عارضه فاضربوا به عرض الحائط.
قال الإمام مالك: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يحدث في مسجد المدينة.
ويقول الشافعي: إذا جاءكم من قولي ما يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط.
هذا هو المنهج! إذاً: ما في تعصب، ولكن وللأسف الشديد تجد أن هذه التعصبات موجودة ومنتشرة، فإذا كنت أنا منطوياً تحت لواء حزب معين أو فكر معين أو حتى مذهب معين تجد أنني أتعصب لهذا المذهب.
ومن الطرائف في المسائل الفقهية: أنه يروى عن الأحناف أنهم يقولون: إذا جاء نص من القرآن أو من السنة يخالف ما جاء عن الإمام أبي حنيفة فإن النص إما أن يكون مؤولاً أو منسوخاً! معنى هذا: أن هذا تعصب مقيت، ويوجد في بعض الطوائف: إذا وقع الفأر في إناء كذا وكذا فيه كذا وكذا فلا يجوز أكله، بل لا بد من إلقائه أو بيعه لفرقة كذا أو لمذهب كذا لا داعي لذكره! هذا تعصب، وهذا التعصب نهى عنه الشرع، وبين أن التعصب هنا هو للقرآن وللسنة، فإذا ورد فيه الأمر أخذنا به، وإذا ورد فيه النهى انتهينا عنه.
ورد عن الإمام أحمد قول، ثم رأينا أن هذا القول مخالف لأقوال أئمة أخر، نحن نقول: نحن حنابلة، لكن إذا جاء عالم من العلماء وقال: الإمام أحمد يقول كذا وبقية العلماء يقولون كذا وكذا، ودليلهم هو القوي، ودليل أحمد ضعيف، إذاً نأخذ بدليل هؤلاء الأئمة ولا نأخذ بدليل الإمام أحمد؛ لأننا نبحث عن الحق فهو مظنتنا أياً كان موقعه.