[السبب الأول من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة تذكر الموت]
الأسباب كثيرة ومتنوعة ومتعددة، لكن يمكن أن نحصرها في الأسباب التالية: أولاً: تذكر الموت وما بعد الموت باستمرار.
للأسف الشديد ليس لدينا أي جانب من جوانب التذكر المرتبط بالموت وما بعد الموت وما في الموت وما حول الموت، ليس لدينا أي اهتمام بذلك؛ باعتبار الانشغال المستمر بالدنيا الذي جعل كل حياتنا تمضي في هذا الجانب، وربما يكون الإنسان مشتغلاً بأمور قد حث عليها الشرع، ولكن الأصل في ذلك أن يخصص المرء شيئاً يسيراً من وقته لتذكر الموت وما بعد الموت باستمرار.
إن تذكر الموت يجعل الحياة هينة بالنسبة للإنسان، ويجعل قيمة هذه الحياة تنحدر تدريجياً حتى تصل إلى لا شيء بالنسبة لهذا الإنسان، حتى يصل به الأمر إلى أن يرى هؤلاء التجار وهؤلاء الأغنياء وهؤلاء الفساق ممن أنعم الله عليهم بالنعم الهائلة من ملك وسلطان ووزارة وغير ذلك، ينظر إلى هؤلاء على أنهم قد ابتلاهم الله ببلية عظيمة، لكنهم لم يحسنوا التصرف فيها، فتهون عليه الدنيا، بل تذكر الموت يجعلك يا أيها الإنسان تعمل الطاعات باستمرار.
يذكر عن أحد الصالحين أنه حفر قبراً في منزله، وكان إذا أحس بضعف إيماني رقد في قبره، وكان يغطي هذا القبر بغطاء قوي، فيبدأ في التذكر ومحاسبة النفس، فكان يخاطب نفسه: يا نفس ماذا تتمنين؟ يا نفس ماذا ترغبين؟ يا نفس ماذا تريدين؟ فتجيبه أريد أن أصلي ركعتين، أريد أن أتصدق بدرهمين، أريد أن أفعل وأفعل، فيقول: الطريق أمامك مفتوح، والباب أمامك واسع، فيخرج من قبره وقد ازداد إيماناً، يا ترى هل طبقنا مثل هذا؟ هل ذهبنا إلى المقابر؟ هل زرنا المقبرة؟ هل جلسنا على شفير القبر؟ هل مكث أحد منا لوحده بجانب قبر يتذكر ماذا يلاقي صاحب هذا القبر؟ هل دخل أحد منا في القبر لوحده؟ هل رقد فيه لوحده؟ هل غطى على نفسه؟ كلنا لم يفعل ذلك للأسف الشديد إلا من رحم الله، لماذا يا ترى؟ مثل هذا الموقف يجعل إيماننا يزداد، ونحن نعيش في وقت قست فيه قلوبنا قسوة عجيبة، وصلت فيه الأمور إلى أن هذه القلوب ربما تفوق الحجارة في القسوة وفي الشدة، لماذا لا نرققها؟ لماذا لا نلينها بهذا العمل وبغيره من الأعمال؟