الرابعة: انطلق ثلاثة من الشباب في سيارة فارهة متجهين من الرياض إلى المنطقة الغربية، وكانت الموسيقى الصاخبة تصدع بكل جنون وحماقة، وكان هؤلاء الشباب يصفقون معها جذلين مستبشرين مع المغني الغربي الذي يزعق ويصرخ، وفجأة وفي لحظة من اللحظات انقلبت السيارة مرة وأخرى وثالثة ورابعة ثم توقفت وإذا الناس يتقاطرون عليها جماعات ووحداناً؛ ليروا من فيها، فإذا بقائد السيارة قد أصيب بإصابة قاتلة، وأما من معه من أصدقاء في السيارة فكانت إصاباتهم أقل منه، وكانت هذه الحادثة قريبة من منطقة حلبان بين الرياض والطائف، فقدمت سيارة الإسعاف مسرعة ثم حملت المصابين، فجعلت المصاب الأول -قائد السيارة- هو المسجى في نعش الإسعاف وصاحبيه بجانبه عن يمينه وعن يساره، ومع هؤلاء ركب أحد الجند الصالحين الطيبين، فعادت سيارة الإسعاف مسرعة إلى مستشفى القويعية، وقبل أن تصل كان ذلكم المسجى في وسط السيارة يتنفس بصعوبة وكلفة بالغتين، وكانت الدماء تغطي وجهه وعينيه وأنفه وفمه، فعرف هذا الجندي أن هذا المريض أو هذا المسجى يلفظ أنفاسه الأخيرة فأراد أن يلقنه الشهادة؛ لأنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال:(من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، فقال له: يا فلان! -عرف اسمه من صاحبيه- قل: لا إله إلا الله، يا فلان! قل: لا إله إلا الله يرددها مرات ومرات، ففتح هذا الشاب عينين ذابلتين مليئتين بالدموع والدم، ورفع رأسه إلى هذا الذي يناديه: يا فلان: قل لا إله إلا الله، ثم قال بصوت خافت: إنني في سقر، ثم أغمض عينيه وسقط رأسه ولفظ روحه، طأطأ الضابط رأسه ثم انتبه فجأة ونظر إلى أحد الأصحاب وقال له: هل كان صاحبكم يصلي؟ قال: لا والله ما كنا نعرف الصلاة قط، لم نذهب إلى مسجد قط، عند ذلك سمع الضابط الكون يردد قول الله سبحانه وتعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر:٣٨ - ٤٣].