إن هذه النقاط التي ستناقش وستطرح، تهم الجميع صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً، علماء ومتعلمين بل وحتى العامة، فالجميع يهمه هذا الموضوع.
ففي السنة السابعة من الهجرة، عندما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من حرب اليهود في خيبر، بعد حرب ضروس ومعارك دامية وجهاد كبير، فرح المصطفى صلى الله عليه وسلم بفتح خيبر، وباستسلام يهود فدك وتيماء، وجمعت الغنائم فأغنى الله أهل المدينة، وتيسر عيش أهل الصفة؛ لكثرة ما حصلوا من غنائم، وفرح المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما رأى البشر يعلو وجوه هؤلاء الفقراء وهؤلاء الأطفال الصغار؛ لما حباهم الله من رزقه سبحانه وتعالى.
في هذه اللحظة يطرق باب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيخرج عليه السلام ليعرف من في الباب، فقال: أنا جعفر، فذهل عليه السلام حين سمع هذا الصوت الذي افتقده سنين طوالاً، فأخذ عليه السلام رداءه يجره خلفه -لم يلبسه من شدة استعجاله وفرحه بهذا الذي قدم- إنه جعفر ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، قائد المؤمنين الصابرين في الحبشة، وفتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب ونظر إليه والبشر يتهلل من وجهه، ثم ضمه إليه، وقبله بين عينيه، ثم أطلق كلمته المشهورة:(لا أدري والله بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر) لقد عادل فرحه صلى الله عليه وسلم بقدوم جعفر فرحه بفتح خيبر.
وهذا يدل على أن لـ جعفر منزلة ومكانة في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ رحب به واحترم جهده وجهاده، ثم بعد فترة وجيزة أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمراً بأن يعطى جعفر إمرة جيش مؤتة الذاهب إلى قتال الروم أقوى جيش في ذاك الزمان، ويقول عليه الصلاة والسلام:(إن قائدكم هو زيد - زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم- فإن أصيب فـ جعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فـ عبد الله بن رواحة، فإن أصيب فارتضوا لأنفسكم قائداً).
وقول المصطفى عليه السلام:(فإن أصيب)، فيه دلالة على أن جعفراً سيموت، ما هذا يا رسول الله؟ قدوم جعفر بعد عنائه وتعبه وجهاده يتطلب منه الراحة والجلوس ليبني مستقبله ويربي أولاده، ويهتم ببيته وأرضه؟ لكن لا، بل ذهب جعفر قائداً مساعداً لـ زيد بن حارثة، حتى إذا قتل زيد قاد خضم هذه الغزوة جعفر، فإن قتل فقائدها عبد الله بن رواحة.
عجيب أمرك يا رسول الله! فمن هذا المنطلق أيها الأحبة ومن هذه القصة العجيبة نتحدث عن عنوان محاضرتنا لهذه الليلة، والتي تأخذ مسمى: ما الهم الذي تحمله أيها المسلم؟ ماذا حمل الرسول صلى الله عليه وسلم من هم؟ هل حمل هم أن يعطي جعفراً الضياع والقصور ليعيش منعماً؟ لا.
بل إن حمل راية الإسلام ونشر دعوته في أرجاء المعمورة، هو الهم الأول والأخير بالنسبة للمصطفى صلى الله عليه وسلم.
فعلى الرغم من مكانة جعفر في قلبه إلا أنه قدمه قائداً مساعداً، بل وقال لصحابته:(فإن أصيب) وهذا دلالة على أنه سيقتل، وقد مات شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.