للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من الصور الإيجابية للعطاء والبذل: قيام شخص واحد بتوزيع مائة ألف مظروف على الحجاج]

أيها الأحبة! قبل الختام أعطيكم تكملة لما بدأته في أول هذا اللقاء، حول ما يتعلق بصور العطاء، وقد أشرت إلى صورة من هذه الصورة، وأشير إلى صورة أخرى من صور العطاء، لتعرفوا وتعلموا أن هناك أناساً الفرد منهم كأمة، والرجل كجماعة، وواحد عن كثرة، وشخص عن قبيلة.

هذا المثال هو متمم لما سبق وشبيه به وقريب منه.

في أحد الأيام كان هناك شخص يجلس مع مجموعة زملائه، ويتدارس معهم أوضاع الذين يأتون إلى الحج من البلاد المختلفة، فقال: إن هؤلاء سيأتون إلى الحج ومنهم من يحمل البدع والخرافات، بل بعضهم يحمل الشركيات، فما دورنا في تصحيح مسار هؤلاء؟! إنهم يأتوننا ويبقون لدينا فترة من الزمن ويؤدون حجهم ثم يعودون وليس هناك أي تصحيح لمسارات الانحراف المختلفة التي يحملونها، والتي جاءوا بها من بلادهم، فلماذا لا نسعى إلى التصحيح؟! لماذا لا نختار شريحة معينة، هذه الشريحة هي شريحة البلاد العربية؟ ثم طرح فكرة وقال: لماذا لا نعطي هدية تحتوي مظروفاً فيه أمور تهم هذا الإنسان القادم للحج، ونحاول أن نصحح هذه الانحرافات الموجودة لديه؟! فقال الإخوة الذين كانوا معه: لا مانع، هذا أمر مستحسن، لكن كيف العمل؟ فأعطاهم الخطة وهي كما يلي: مظروف يحتوي على كتيبين اثنين وشريطين، ويكلف هذا كله ما يقارب عشرة ريالات، وبعد ذلك نريد أن نوزع مائة ألف مظروف، أي: بمليون ريال، فقالوا له: ممتاز جداً، ولكننا نعرف أنك لا تملك ريالاً واحداً، قال: نعم -وهو لا يملك شيئاً أبداً- ولكننا نستعين بالله سبحانه وتعالى ونبدأ المشروع، والذين التقوا معه هم ثلاثة وهو الرابع، فاتفقوا على توزيع العمل وانتقاء الكتيبات والأشرطة، وأن كل واحد ينتقي مجموعة كتيبات وأشرطة ثم يتدارسونها، كان الوقت ضيقاً ولم يبق على الحج إلا ما يقارب أربعين يوماً فقط لا غير، وكانت العملية تحتاج إلى جهد وبذل ومسارعة، فاتفقوا على أحد الكتيبات، واتفقوا على شريطين.

فهذا الرجل الذي طرح الفكرة ذهب إلى مطبعة معروفة ومشهورة وعرض عليهم طبع الكتاب، فقال: أريد منه مائة ألف نسخة، قالوا: لا مانع، ولكن لا بد أن تأتي لنا بإذن من المؤلف، والمؤلف يسكن في منطقة تبعد عن الرياض مسافة خمسمائة وخمسين كيلو متراً تقريباً، وكان يحدثهم قريب الظهر تقريباً، فقال: لا مانع سآتي بالإذن، فشغل سيارته وانطلق إلى المنطقة التي ذكرت مسافتها، ثم وقف على باب ذلك الرجل وطرق عليه بابه، لم يكن هناك اتصالات بالجوال، فقال له: أريد منك كذا وكذا، قال: تفضل ادخل، قال: لا، الوقت لا يسمح، يقول: والله لقد أخرج لي الورقة بالأذن وأعطاني إياها، وأنا واقف أمام بابه، ثم أخذت الورقة وعدت من حيث أتيت، وكان سفره بحدود أربع ساعات ذهاب، وأربع ساعات عودة، ثم ذهب إلى المطبعة وأعطاهم هذا الإذن بعد صلاة العصر، ثم بعد ذلك ذهب إلى التسجيلات، وهو رجل واحد، ومر على هذه وتلك والثالثة والرابعة، وكل منهم يقول: لا نستطيع أن نطبع لكم مائة ألف نسخة مستحيل ذلك لا يمكن؛ لأن لدينا ارتباطات والتزامات متعلقة بالحج، قال لهم: إذاً أوزع العمل، فكم أكبر قدر تستطيعون طبعها؟ فالذي يقول: نطبع عشرين ألفاً، والذي يقول: ثلاثين ألفاً، والذي يقول: أربعين ألفاً، والذي يقول: عشرة آلاف، والذي يقول: خمسة آلاف، فبدأ يسجلها إلى أن اكتمل رصيدها، ثم بعد ذلك بقيت إشكالية أن الكثير من الخرافات والبدع الموجودة عند هؤلاء القوم الذين قدموا من خارج هذه البلاد المباركة، لا يوجد كتاب يعالج كل هذه القضايا، فقال: نؤلف كتاباً، ولم يبق على المدة إلا أقل من أربعين يوماً، قالوا: لا يمكن هذا، قال: نبدأ، وفعلاً ألف الكتاب في عجلة، وخرج كتيب يشتمل على مجموعة فتاوى تطرق كل الأمور المنحرفة الموجودة في تلكم البلاد، ثم بعد ذلك بدأ التغليف، وجاء بمجموعة كبيرة من الشباب للقيام بمشروع التغليف، ثم جعلها في استراحة وبدأ العمل، وإذا به يملأ ثلاث (تريلات) بمائة ألف مظروف، انطلقت هذه (التريلات) إلى مكة، ولكنها منعت من الدخول؛ لأنها لا تحمل تصريحاً، والتصريح هنا لا بد أن يكون في الوقت المفتوح، فقالوا له: لو كانت مواداً غذائية ممكن، ولو كنت أتيت بتصريح مسبق فلا يوجد مانع، فكان ذلك خيراً، فانطلقت واحدة من (التريلات) إلى مطار المدينة، والثانية انطلقت إلى مطار جدة، وهذا كان أفضل وأعظم أثراً؛ لأن الحاج عندما يقدم ويعطى المظروف، قد يكون أثره ضعيفاً؛ لأنه مقدم على شيء مهم، فقد يرمي المظروف أو ينساه، لكن الآن انتهى من كل شيء، فسيأخذ المظروف ويأخذه في حقيبته، وربما يقرأ في الطائرة المتجهة به إلى بلاده، فوزعت كل هذه المظاريف على هؤلاء الحجاج.

حسناً! لقد كان العمل كله دائراً على رجل واحد، وقد قابله أحد هؤلاء الأشخاص وقال له بعد فترة من الزمن: يا ترى! هل سددت المبلغ الذي عليك، قال: سددت نصفه، أي: نصف مليون، والله سبحانه وتعالى سيعين على تسديد الباقي.

هذا رجل واحد انظروا كيف نفع الله به؟ وماذا فعل؟ وزع مائة ألف مظروف على مائة ألف أسرة، وربما كل أسرة تفيد غيرها من الأسر.

إذاً: صورة عظيمة من صور العطاء تجعلنا فعلاً نحتقر أنفسنا عندما لا نقدم إلا النذر اليسير والشيء القليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>