القول الثاني: هم الذين قالوا: إن أصل التشيع هو الأصل المجوسي الفارسي القديم.
ويستدلون على ذلك بمجموعة من الأقوال: القول الأول: الانتقام من الإسلام والمسلمين الذين دمروا دولة الفرس وقضوا على الدين المجوسي، واستخدموا التشيع وموالاة أهل البيت ومحبة أهل البيت ستاراً ودثاراً وشعاراً لتنفيذ الخطة وتحقيق الهدف، ويمثل ذلك مثلاً: البرامكة الذين أرادوا إبراز المنهج المجوسي عن طريق تأييد آل البيت وغيرهم ممن لحقهم أو سبقهم، فكانوا يستخدمون مسألة تأييدهم وحبهم واحترامهم لآل البيت لإعادة الدين المجوسي شيئاً فشيئاً ومحاولة إحيائه شيئاً فشيئاً.
القول الثاني: أن العرب تأبى الضيم، ولا ترغب في أن يكون هناك ضغط عليها، بخلاف الفرس الذين كانوا قد عاشوا آماداً طوالاً على أن يحكمهم بيت وراثي له صفات مميزة، تصل به إلى أن يكون فوق مستوى البشر، أو أن فيه دماً إلهياً كما يقولون، فعندما زالت الدولة المجوسية وجاء الإسلام وانتشر في كل الأصقاع وجدوا أنهم في حاجة إلى وجود مثل هذا البيت، ولكنهم لم يجدوا مناسباً لهذا الأمر إلا أقرب المقربين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالب؛ لأنه أقربهم له رحماً وصهراً وعصبة وغير ذلك، فرأوا فيه وفي آل بيته البيت المناسب ليتولى الزعامة التي يدينون لها بالولاء، كما كانوا يدينون للبيت المجوسي سابقاً، وهذا القول عليه ملاحظة، وإنما هو قول ذكروه.
القول الثالث: أن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما تزوج شهربانو بنت يزدجرد بن كسرى، وكان الحسين بن علي بن أبي طالب قد شارك في معركة فتح الفتوح في معركة نهاوند، التي كان فيها نهاية الدولة الساسانية، أي: الدولة المجوسية، واستطاع المسلمون بقيادة النعمان بن مقرن المزني الانتصار على هؤلاء، وقتل يزدجرد وأخذ كل ما معه أسارى وسبايا، وكان من ضمنهم بنته شهربانو فوقعت أسيرة عند المسلمين، فكانت من نصيب الحسين بن علي الذي أعتقها وتزوجها، وأسلمت وتسمت باسم آخر، وهذه المرأة أنجبت علي بن الحسين، والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه كان له مجموعة من الأبناء ومن ضمنهم علي بن الحسين، لكن الشيعة المجوس رأوا في هذا الرجل الذي هو علي بن الحسين ميزة، وهذه الميزة عندهم أنه يجري فيها الدم الإلهي من ناحية أمه التي هي بنت يزدجرد الذي هو ملكهم الأخير، فقدسوا علي بن الحسين وقدسوا أولاد علي بن الحسين، ولم يروا في أبناء الحسين الآخرين أي أهمية ونسوهم تماماً.
القول الرابع: أن الشيعة يغلون غلواً زائداً في سلمان الفارسي إلى زماننا هذا، ففرق الغلاة من الشيعة كالنصيرية والدروز والباطنية يغلون في سلمان الفارسي غلواً بيناً واضحاً حتى يصلون به إلى درجة أنه نبي أو إله، فعند الدروز أن سلمان الفارسي إله وكذلك عند النصيرية.
وسبب الغلو في سلمان الفارسي أن والده كان قاطن، يعني: النار القيم الأعلى للنار، فكان والد سلمان الفارسي يطوف بلاد الفرس ليشرف على معابد النار، ويشجعهم على أن تكون النار مستمرة في الاشتعال، فـ سلمان الفارسي ترك والده وهرب منه وأسلم في قصة عجيبة طويلة، فرأى هؤلاء في سلمان أنه أولاً من بلاد فارس، وثانياً والده يمتاز بمزايا معينة فأحبوه نتيجة لذلك، وتخصيص سلمان بالمحبة وجعل غيره أقل منه يثير علامة استفهام.