[من واجبات الآباء تجاه الأبناء الحنان والعطف على الأبناء]
من ضمن الجوانب فيما يتعلق بتربية الأبناء: الحنان الذي ينبغي أن يعطيه الأب للأبناء، فالأب عندما يربي ابنه فأنه يؤمن له الملبس والمأكل والمشرب، ويؤمن له الأدوات المدرسية، ويؤمن له وسائل الرفاهية، لكن هل تنتهي العملية عند هذه الأمور الحسية؟ لا، بل لا بد أن يهتم بالجوانب الروحية التي يحبها الطفل، فأنت أيها الأب عندما تأتي لابنك وتضمه إلى صدرك ولو كان كبيراً فثق تمام الثقة أنه سيشعر بحنان عجيب جداً، أضرب لك مثالاً: افترض أن لديك ابناً مشاكساً لا يحل الواجبات أولاً بأول، ثم عرضت عليه أن يحل الواجبات بالتهديد فرفض أو تملص، أو أنك أعطيته عشرة ريالات ليحل الواجب ربما لا يقيم لذلك نظراً؛ لأن المبلغ قليل أو الواجب كثير أو أو إلى آخر، لكن لو أنك انتقلت إلى جانب آخر ربما أنت لا تستخدمه مع الابن إلا قليلاً، وذلك بأن تأخذ الطفل إلى حضنك وتحدثت معه وطلبت منه أن يقبلك ثم قبلته وضممته ثم قصصت عليه قصة بسيطة ثم ربت على شعره، وكل ذلك على انفراد، ثم بعد ذلك اطلب منه أن يحل الواجب، انظر ماذا تكون النتيجة؟ ستكون عجيبة فعلاً؛ لأن الحنان الذي في قلبك قد صب في قلبه، فكانت النتيجة التقارب بين قلبيكما، مما أدى إلى أن يطيعك بسرعة، وهذه الأشياء التي يفتقدها الإنسان في أبنائه إذا لم يركز على جانب الحنان، فإن هذا الابن سينحرف ويتحول البيت إلى دمار، وأنت ترغب في أن يكون بيتك عامراً.
مثال على ذلك: أحد الآباء كان له ابن عمره ثلاث عشرة سنة وكان يهتم اهتماماً كبيراً جداً بالأشياء الفنية المرتبطة بالآلات وإصلاح الآلات كالسيارات والساعات والراديو هات، إلى غير ذلك، وكان والده يقسو عليه قسوة شديدة، ويفضل ابنه الصغير على هذا الأكبر، فهذا الأكبر كنت أرى عليه نوعاً من أنواع الكآبة عجيبة جداً، فكان يحبني باعتباري أني قريب له جداً، فيعطني بعض ما يشعر به، فكان يقول لي: إنه في بعض الأحيان يدخل دورة المياه بقصد قضاء الحاجة فيبقى فيها الساعة ويبكي؛ لينفس عما في قلبه، ثم بعد ذلك يخرج ولا يريد من أحد أن يشعر بالذي يحصل له، وقال لي في يوم من الأيام: أتمنى أن يموت أبي أو أنني أموت؛ لأن الأمر عنده واحد وجود أبيه وعدمه، بسبب قسوة أبيه عليه، فهو يتمنى أن يعيش يتيماً؛ لعله يشعر على الأقل ببعض الحنان من الآخرين، فما كان مني إلا أن أخذت الأب جانباً ثم قرعته قرعاً بالكلمات المتتابعة المتلاحقة، وأشعرته بخطئه في حق ولده، فقلت له: هذا الابن الذي أنت تسعى ليكون بيتك عامراً قد يحول بيتك إلى دمار؛ لأن هذا الطفل عمره ثلاث عشرة سنة يفتقد الحنان تماماً، ووالدته مريضة، وأنت قد تركته وضيعته، وربما إذا كبر قليلاً تلقفه أهل الشر فسقط في الفسق والفساد والمخدرات، ومن سجن إلى سجن ومن مصيبة إلى بلية، وأنت الذي تعيش الهم والغم، فصار بيتك دماراً، أتريد ذلك؟ قال: لا، فرجع إلى ولده وبدأ يعطف عليه ويحن عليه، وفعلاً صار الابن الآن يحب أباه محبة شديدة، صار يجالسه ويتحدث معه، ولو طلب منه شيئاً لم يتردد في تنفيذه برغبة ومحبة.