أولاً: الإبادة الحسية: الإبادة الحسية هي ما ذكره الله سبحانه وتعالى عنهم حينما قال: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:٢١٧] فالإبادة الحسية هنا منهج سار عليه الأعداء فيما يرتبط بالقضاء على المسلمين، فهم لا يريدون لمسلم أن يبقى على وجه الأرض؛ ولذلك تجدهم يفتعلون النصوص الشرعية التي تحث أتباعهم على القضاء على المسلمين، خذوا نموذجين اثنين حول هذه القضية.
أنتم تجدون التوراة تتحدث، فهم يقولون: إن النص الذي ذكر فيها هو من الله سبحانه وتعالى، تقول لليهود بأجمعهم: إنك ملزم إلزاماً بأن تقتل الأميين أو تقتل ما سوى اليهود، ولا يقولون: تدعوه إلى اليهودية، وإذا التزم باليهودية تتركه، لا، بل المنهج عندهم هنا: أن تقتل من خالف دينك مباشرةً بدون دعوة، لم؟ لأنهم يرون أنهم شعب الله المختار، ولا يمكن أن ينضم إليهم غيرهم، وبالتالي القتل هنا هو الأصل، ماذا يترتب على القتل بعد ذلك؟ يترتب عليه احتلال الأرض، ويترتب عليه أخذ الذرية، ويترتب عليه السيطرة الاقتصادية، إذاً: هذا نموذج.
النموذج الثاني عند الرافضة: عندما يسطرون نصوصاً تؤيد منهجهم الفعلي العملي الملاحظ والمشاهد بقولهم: من قتل ناصبياً أو من قتل أحد العامة بتعبيرات متفواتة دخل الجنة، فسأل أحدهم أحد الأئمة كما يقولون: فإن لم أستطع أن أقتله؟ قال: تذله ما استطعت.
إذاً: هم يهدفون إلى مسألة القضاء الحسي على المسلمين، وتحضرني في هذه اللحظة حادثة في وقت الخليفة المهدي العباسي وهو الخليفة الثالث يقول أحد المسئولين عن السجن لأحد الأئمة: كنت مسئولاً عن سجن كذا وكذا، وكان هذا السجن مليئاً فيه أكثر من خمسمائة فرد، وكنت أعتقد أنهم كلهم من النواصب -أي: المخالفين للشيعة، أي: أهل السنة- فأردت القضاء عليهم، ولكنني خفت أن يكون بينهم أحد من الشيعة، يقول: اتفقت أنا وبعض السجانين الآخرين على مسألة القضاء عليهم، فبدأت أركز على أعمدة السجن فأجعل في الأعمدة أو أسفل منها قليلاً من الملح ليكون هو الأساس، ثم بعد فترة أدرجت الماء فذاب الملح فسقط السقف عليهم فمات هؤلاء كلهم، فماذا أفعل؟ قال له هذا الإمام: ليس عليك شيء، بل أنت مأجور وما هم إلا كالخنازير.
إذاً: هذا في وقت الخليفة المهدي، هذه الرواية قد تكون مفتعلة أو قد تكون مكذوبة، لكنها تنبئ عن حقد ينبع من قضية الإبادة الحسية التي يسير عليها هؤلاء.
أما الكبرى فتأخذ طابع الهجوم المتتابع المتواصل عن طريق الهجمات المتصلة، كهجمات الصليبيين في وقت المماليك وصلاح الدين وغيرهم، وهجمات الاستعمار المعاصر، وهجمات الاستعمار في القرن التاسع عشر، وهجمات الروم وهجمات الفرس، وأي نوع من الهجمات على المسلمين بقصد استئصالهم، هذه تعتبر إبادة حسية كبرى.
أما الإبادة الحسية الصغرى فهي مسألة بذر الثورات داخل البلدان الإسلامية؛ للقيام بحروب مضادة بين المسلمين أنفسهم؛ فيضعف المسلمون شيئاً فشيئاً ويترتب على ذلك أو ينتج عن هذا الضعف سهولة احتواء المسلمين والقضاء عليهم، كما سأضرب لكم نموذجاً في ذلك بما حصل في بعض الدول وأبرزها الأندلس.