أيها الأحبة! لو نظرنا إلى سير المعاصرين في هذا الزمان كسيرة الشيخ عبد العزيز بن باز، فإن في سيرته دروساً وعبراً ووقفات لا يمكن أن تنسى أبداً، ولن أذكر لكم إلا موقفاً واحداً كسباً للوقت فقط.
يقول أحد الأشخاص: جئنا من مكة عن طريق البر، وكان سفراً مرهقاً ومتعباً، وكان الشيخ يطلب مني أن أقرأ عليه كتباً ورسائل وفتوى يجيب عليها، وأنا أكتب له طوال الطريق، وهو لا يكل ولا يمل، وعندما رأى أنني أتثاءب كل لحظة، قال: أرى أننا تعبنا -لم يقل: أرى أنك تعبت- من وعثاء السفر، فلماذا لا نقف ونأخذ شيئاً من الراحة، ننام ثم بعد ذلك نستيقظ ونصلي الفجر ونواصل الطريق؟ يقول: ففرحت بذلك، فصليت الوتر، فما إن وضعت رأسي على الوسادة حتى نمت، ولا أعلم عن حال الشيخ، يقول: وفجأةً استيقظت الساعة الواحدة، وإذا بالشيخ يصلي، واستيقظت الساعة الثانية وإذا به يصلي، واستيقظت الثالثة والرابعة والخامسة وإذا به يصلي، خمس ساعات وهو يصلي إلى أن أذن الفجر، عجيب جداً، أين ذلك الجهد؟ لقد انتهى ذاك التعب؟ وأضاف إليه تعباً متواصلاً مرهقاً، لماذا أيها الأحبة؟ لأن الذي يقف مع الله ينسى كل تعب بأي صورة من الصور.