[كيفية نشأة الديانة الهندوسية]
كانت منطقة الهند عبارة عن منطقة زراعية وخصبة، إلا أن الذين يعيشون فيها، كانوا بدائيين وكانت القبائل قبائل بدائية، وكان يغلب عليهم طابع العبادة السلطنية، -أي: عبادة القوة-، وتمثيل هذه القوة بسلطان يمثلها، يعجبون بالأسد فيعبدون صورة الأسد، يعجبون بالفيل فيعبدون صورة الفيل، يعجبون بالشمس فيعبدون صورة الشمس، يعجبون بالقمر، بالسماء بالكواكب بفلان من الناس، ببطل معين أو بشيء معين، بل بأكلات معينة، فإذا كانت تعجبهم الأكلة الفلانية يعبدون هذه الأكلة، عن طريق تمثيل صنم يمثلها، حتى وصل الأمر بهم إلى أن يعبدوا أجزاء من جسد الإنسان، يعجبون بكذا من جسد المرأة فيصورونه ويعبدونه، ويعجبون بشيء من الرجل فيعبدونه ويصورونه في معابدهم على أنه إله.
إذاً: وجدت هذه الديانة قبل ١٥٠٠ سنة من الميلاد، يعني: قريباً من (٣٤٠٠) أو (٣٥٠٠) سنة من الآن، وكانت هذه هي عبادتهم، وكانت هذه القبائل عبارة عن قبائل صغيرة تعيش كل قبيلة لوحدها، وكان التناحر والتقاتل بينهم وارداً على نمط الغزو القبلي المعروف.
في هذا الوقت كان هناك مجموعة من القبائل أرادت أن تبحث عن منطقة خصبة جميلة مريحة لها، فأرسلت مجموعة من الأشخاص لكي يكتشفوا المناطق، وكانت هذه القبائل تسمى القبائل الآرية، وهي التي يدعي هتلر الزعيم النازي المعروف الانتساب إليها، وكان يقول: إن أفضل الشعوب هو الشعب الآري، ثم يقسم بقية الشعوب إلى درجات إلى أن يصل إلى العرب وهو قبل الأخير ثم اليهود، فاليهود هم في ذيل القائمة، وقبلهم العرب، ثم بعد ذلك مجموعة كبيرة من الشعوب في حدود (١٤) شعباً، ثم الذين في القمة هم الشعب الآري الذي ينتسب إليه.
هذه الشعوب الآرية قيل: إنها تعيش في أواسط آسيا، أو بمعنى أخص في المناطق الجنوبية من الاتحاد السوفيتي الآن، وقيل: إنها كانت تعيش في النمسا والمجر وبلغاريا وغيرها، وقيل: إنها كانت تعيش في إيران والعراق.
هذه القبائل هاجرت من مناطقها بحثاً عن النعيم والدفء، والمياه الدافئة، فأرسلت استكشافات وصلت إلى الهند، ورجعت إلى قبائلها وقالت: إن هناك مناطق جميلة وخصبة وليس فيها إلا عدد بسيط من القبائل السود، فقد كان اللون الأسود يغلب على تلكم الشعوب، فاتجهت هذه القبائل في رحلة طويلة استمرت ثلاثمائة سنة، يعني: كانت تصل على دفعات وذلك حين كانوا يسمعون الأخبار، فعندما وصلت الدفعة الأولى كانوا يتراسلون بطريقة أو بأخرى بأنهم وجدوا كذا وكذا، فتأتي قبيلة أو فرع للقبيلة وهكذا شيئاً فشيئاً.
وكانوا يأتون إلى الهند ومعهم ثقافاتهم ودياناتهم وقوتهم، ومعهم الحضارة التي لم تكن موجودة قبل ذلك في الهند، فلما وصلوا إلى الهند قوبلوا بقوة من قبل هذه القبائل، لكنها قبائل بدائية، والحرب بدائية، والاتجاه التنظيمي في الحرب بدائي، أما هذه الدفعات فهي منظمة ومرتبة، فاستطاعت أن تستأصل هذه القبائل بأسرع وقت، ثم سيطرت عليها، لكنها وجدت أن هذه القبائل كثيرة بحيث يستعصي على الإنسان أن يقضي عليها، خاصة أن هذه القبائل عندما رأت الانهزام المتتالي بالنسبة لجيوشها أو لتجمعاتها بدأت تستخدم حرب العصابات، وبدأت تستخدم الانطواء في الجبال والاختفاء في الغابات، فخشي هؤلاء الآريون من هذه القبائل، فأرادوا أن يندمجوا معها بطريقة معينة بحيث تسير الحياة بعد ذلك السير الذي يريدون.
وهذه القبائل الآرية التي قدمت على أرجح الأقوال أنها قبائل كانت تعيش في أواسط أوروبا الشرقية، أي: في النمسا والمجر وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، ويقولون: إن السبب في هجرتهم: أن مناطقهم أصيبت بجفاف وهاجروا إلى الشرق وإلى الغرب، فالذين هاجروا إلى الشرق استوطنوا جزءاً من إيران والعراق والهند، والذين هاجروا إلى الغرب استوطنوا جزءاً من مناطق أوروبا وخاصة ألمانيا والمناطق التي في شمال ألمانيا من أمثال هولندا وبلجيكا وغيرها.
هذه القبائل عندما هاجرت كانت تمر على قبائل ذات ديانات معينة، فتأخذ وتستفيد منها، وتفيد كذلك الآخرين بدياناتهم، وعندما وصلت إلى الهند وسيطرت عليها كان مجال هذه القبائل فيما يتفق في العبادات منصباً على تقديس القضايا الكلية فيما يرتبط بالطبيعة، فما كانوا يقدسون إلا المسائل الكبرى، فكانوا يقدسون الشمس والقمر والسماء والكواكب والسحاب والبرق والرعد والمطر، لكن لا يقدسون الأسد والفيل والأكلة الفلانية والجهاز التناسلي الفلاني أو غير ذلك، فوجدوا أن الشعوب الهندية لم ترضخ لدياناتهم، فاتفقوا -بما أنها ديانات وضعية- على أن يدمجوا هاتين الديانتين ببعضهما، فصار هناك اندماج في الديانتين: الديانة الهندية القديمة، والديانة الآرية، فخرج لنا ما يسمى بالديانة الهندوسية.
إذاً: الديانة الهندوسية: عبارة عن خليط بين ديانة الآريين التي تنصب على تقديس القوى الطبيعية، وبين ديانة الهنود القدماء التي تركز في الغالب على الأشياء التي يحبها أهل الهند القدماء.
وبعد فترة من الزمن تطور الوضع وصار هناك نوع من الاندماج، إذ وجد الآريون أن هؤلاء الهنود السود أو السمر بدءوا يسيطرون على جزء من إمكانات البلد بحكم الخبرة والمعرفة، فخشي هؤلاء القلة من الآريين أن يسيطر هؤلاء عليهم؛ فيذوب هذا الشعب الآري في الشعب الهندي، بمعنى: أن الكثرة تغلب الشجاعة مع الوقت، فأرادوا أن يجعلوا هناك نظاماً دقيقاً في العمل ومهاماً معينة في العبادات ومهاماً معينة في الارتباط بالآلهة، إلى آخر ذلك، فبدءوا في كتابة بعض الأفكار حول هذه المسائل، وسميت هذه الأفكار فيما بعد بالفيداأو الويدا، والويدا هذا هو أعظم الكتب المقدسة عند الهندوس.
إذاً: يقال له: الفيدا والويدا، ينطق باللغتين والويدا: باللغة السنسكريتية-لغة هندية قديمة- ومعناها: القانون أو الحكمة، فبدءوا يسطرون هذه القوانين أو الأحكام، والمراد منها: إعطاء الطبقة الآرية أو الجنس الأبيض ميزة تخالف ما لدى الطبقة السوداء، ولذلك تلاحظون أحياناً أن هناك بعض الهنود لونه أبيض، وبعض الهنود لونه أسود وهناك تفاوت، وهناك طبقات بين هذا اللون وهذا اللون.
طبعاً هؤلاء لو دققت فيهم وساءلتهم، ربما تجد أن اللون الأبيض ينتسب إلى الآريين في الأصل، وهو لا يعرف أنه ينتسب إلى الآريين أو لا يقول ذلك، لكن ينتسب إلى فرقة أخرى سنذكرها، أما الأسود فينتسب إلى الهنود القدماء.
طبعاً بدأت كتابة هذه القوانين التي تعطي الأقلية الامتيازات المتتابعة؛ إلى أن تضخمت وكبرت، فصار حفظ هذه القوانين في القلب صعباً، فقالوا: لابد من تدوينها وكتابتها، فبدءوا بتدوين ما يسمى بكتاب الفيدا، وقيل: إن التدوين استمر عشرة قرون -يعني: ١٠٠٠ سنة- وتدوين هذا الكتاب المقدس عند الهنود متواصل، إلى أن ختم بقرار من المجلس الأعلى عند الكهنة الهندوس على أنه لا يمكن إضافة شيء على هذا الكتاب، ولو لم يختم بهذا القرار لاستمرت الإضافات على هذا الكتاب، وهو كتاب ضخم جداً يشكل عدداً كبيراً من المجلدات.
طبعاً ولم يترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية، وهو موجود في كثير من المكتبات الجامعية باللغة الهندية القديمة أو اللغة السنسكريتية.
ولو قارنا الآن بين ديانة الهنود الموجودة حالياً مع ما كتب في الويدا مسبقاً لوجدنا كثيراً من الاختلاف والتغير والتعديل، السبب في ذلك أنها ديانة بشرية، والديانة البشرية خاضعة لإيرادات البشر ولآرائهم وأهدافهم، فكل فرقة أو كل تجمع أو كل عصر يضيف ويعدل ما يشاء حسب أهواء هذا العصر واتجاهاته، ولذلك تجد أن هناك آلهة كانت تعبد قبل ٣٠٠٠ سنة ليست لها وجود الآن، وتجد أن هناك أصنافاً تعبد الآن ليست موجودة في الكتب القديمة، وهذا في حد ذاته يبين تهافت هذه الديانة.
من هذا الكلام بأجمعه يتضح لنا أن الهندوسية ليس لها مؤسس معروف، بمعنى لا تنسب إلى مؤسس، لكن الإسلام أسسه المصطفى عليه السلام، والمسيحية أسسها عيسى، واليهودية أسسها موسى، والحنيفية أسسها إبراهيم، والبوذية رجل يدعى بوذا، والجينية كذلك لها رجل، أما الهندوسية فليس لها رجل معين من الممكن أن نقول: له الدور القوي في بروزها وظهورها، لكن هناك رجال اشتهروا بتجديدها أو إعطائها روح الحيوية بعد أن كادت تموت، أما أن هناك مؤسساً لها فليس هناك مؤسس، كما أن كتاب الويدا الذي هو أعظم كتب الهندوس ليس له كاتب، أو لا ينسب إلى شخص معين، بل كل هذه الكتابات كتبت على مر القرون المتتابعة، وهذه الكتابات فيها تناقضات ليست باليسيرة؛ لأن ما كتب الآن مثلاً أحياناً يخالفه ما كتب بعد ٥٠٠ سنة أو ١٠٠٠ سنة، ومع ذلك أبقي ولم يعدل، ولذلك هناك تناقضات صريحة داخل هذا الكتاب.