[اعتقاد الشيعة في حجية القرآن]
النقطة الأولى: موقف الشيعة من مصدري التلقي: القرآن والسنة.
أولاً: لا بد أن نعرف أن القرآن قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، حجة على الخلق أجمعين، لكن الشيعة يرون أن القرآن الكريم كتاب محرف من قبل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وغيره من الصحابة، وأن هذا القرآن حذفت منه آيات كثيرة تتجاوز الألفي آية، أو أكثر من ذلك بكثير، على اختلاف بينهم، وأن هذا القرآن الموجود بيننا لا يمكن أن يعتمد عليه، وأنه مرفوض، لكنهم لا يستطيعون أن يعلنوا حقيقة أن هذا القرآن منبوذ ومرفوض، فجاءوا بعوائق وحواجز لإبعاد الناس عن هذا القرآن، بمعنى: أنني أستطيع أن أقول لك: لا تذهب إلى المكان الفلاني، لكن قد أحرج في منعك من هذا الذهاب، فأحاول أن أضع عراقيل في سبيل وصولك إلى هذا المكان، فلا تستطيع أن تذهب، وهذا هو مثال الشيعة تجاه القرآن، فوضعوا مجموعة كبيرة من العراقيل الفكرية التي تجعل الشيعي لا يمكن أن يأخذ من القرآن إلا أقل القليل.
أما قضية حجية القرآن عند الشيعة، فنقول: إن القرآن حجة على كل المسلمين، وهم ملزمون بمتابعة ما فيه، فهو كلام الله سبحانه وتعالى المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن الشيعة يقولون: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم، والقيم هو الإمام، والإمام هذا موجود على طول الزمن منذ بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سنة (٢٥٥هـ)، وبعد ذلك الزمن اختفى ذلك الإمام.
إذاًَ: القرآن من سنة (٢٥٥هـ) إلى زماننا هذا ليس بحجة.
وهذه النقطة تعطيك دلالة على أن الفترة من (٢٥٥هـ) إلى هذا الزمان فترة يرى فيها الشيعة أن القرآن غير ملزم بالنسبة لهم، ولذلك يقول صاحب كتاب (الكافي) الكليني في الجزء الأول صفحة (١٨٨): إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم.
ويقول صاحب (بحار الأنوار) في الجزء (٣٦) في صفحة (٨٠) من الكتاب نفسه: إن الأئمة هم القرآن نفسه.
يعني: إذا وجد الإمام وجد القرآن، وإذا لم يوجد الإمام لم يوجد القرآن، حتى ولو كان القرآن موجوداً.
ويقول المجلسي أيضاً: إن القرآن كتاب الله الصامت، والأئمة كتاب الله الناطق، فلا يعرف الصامت إلا بوجود الناطق.
يعني: أن القرآن لا يفقه ولا يفهم، ولا يستطيع الإنسان أن يأخذ منه حكماً إلا بوجود الكتاب الناطق الذي هو الإمام، وبما أن الإمام قد اختفى في سرداب سامراء سنة (٢٥٥هـ)، فقد انتهى الأخذ من كتاب الله سبحانه وتعالى.
ويقول صاحب (الاحتجاج) في الجزء الأول صفحة (٣١): علي تفسير كتاب الله، والأئمة من بعده تفسير كتاب الله.
أي: أن كتاب الله لا يفقهه إلا الأئمة منذ علي إلى آخر إمام، وبعد هؤلاء لا أحد يفقه التفسير إلا إذا وجد هؤلاء الأئمة.
إذاً: القرآن الكريم لا يمكن أن يفهم ولا يمكن أن يفقه إلا بوجود الإمام، فعلماء الشيعة قد وضعوا العقبة الأولى في سبيل فهم كتاب الله بالنسبة للشيعة.
النقطة الثانية في مسألة حجية القرآن بالنسبة للشيعة: إن الأئمة اختصوا بمعرفة القرآن فلا يشركهم فيه أحد.
أي: كل الناس ما عدا الأئمة لا يمكن أن يفقهوا القرآن الكريم، ولذلك يقول الحر العاملي في كتابه (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) صفحة (١٧٣): باب: أنه لا يعرف تفسير القرآن إلا الأئمة.
فهذه عقبة ثانية من العقبات التي وضعوها فيما يتعلق بفهم القرآن الكريم.
النقطة الثالثة في مسألة حجية القرآن عند الشيعة: أن قول الإمام ينسخ القرآن، ويقيد مطلقه، ويخصص عامه.
يعني: الإمام له الحق والأهلية التامة في أن يتصرف في القرآن كيفما شاء، وهذا يستلزم أن كتاب الله سبحانه وتعالى عندهم في مرتبة ثانية بعد كلام الأئمة، فالإمام إذا قال قولاً وعورض بالقرآن الكريم فإن قول الإمام مقدم على قول الله سبحانه وتعالى، والسبب في ذلك أن قول الإمام ينسخ القرآن، ويقيد المطلق، ويخصص العام.
فالإمام يستطيع بموجب كلامه أن يمحو آية موجودة في القرآن أو يحلل حراماً أو يحرم حلالاً موجوداً في القرآن، وهم بهذه الكيفية وبهذه الطريقة قالوا لكي يؤكدوا هذا المعنى بعد أن نوقشوا: إن أئمتنا معصومين وإن جميع الأئمة الذين جاءوا منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المهدي المنتظر كلهم معصومون ولا ينطقون عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وهؤلاء الأئمة الذين عددهم اثنا عشر إمام لو قال أحدهم قولاً فإنه يجوز لك أن تقول: قال الإمام جعفر الصادق: كذا وكذا، مع أن القائل غيره من الأئمة.
كذلك عندما قال الإمام جعفر الصادق: التقية ديني ودين آبائي، يجوز أن تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التقية ديني ودين آبائي، ويجوز كذلك أن تقول: قال الله تعالى: التقية ديني ودين آبائي؛ لأن هذا الكلام الذي صدر من جعفر الصادق كلام من معصوم، وهو لا يخطئ أبداً، فهذا الكلام ممكن أن تنسبه إلى الرسول عليه السلام، وممكن أن تنسبه إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال ذلك مؤكداً عليه جم غفير من كتاب الشيعة ومؤلفيهم، وهذا النص في شرح الكافي للمازندراني في الجزء الثاني صفحة (٢٧٢) وقد ذكر ذلك بشكل موسع.