للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النموذج القديم ما حصل في الأندلس]

تعرفون أن الأندلس عاش فيها الإسلام فترة طويلة من الزمن، بل وكانت حاضرة علمية عجيبة لجميع الدول الأوربية، تمد الدول الأوربية بالعلماء والمفكرين، فقد كانوا يأتون إلى الأندلس ليدرسوا فيها، بل وذكر أحد المؤرخين الألمان أنه كان الأوربي الذي يتحدث اللغة العربية في ذلك الوقت يعتبر رجلاً ذا شأن ومثقفاً؛ لأنه يتحدث لغة العلم والحضارة، هذه الدولة لم يكن الغرب ينظر إليها على أنها دولة علم، بل كان ينظر إليها على أنها دولة إسلام، والإسلام مناوئ للنصرانية، إذاً: لا بد من القضاء عليه، فاستخدم مناهج متعددة وكثيرة وحرباً متواصلة ضروساً، ولم ينجح إلا عندما استخدم قضايا تدريجية فيما يرتبط بحرب هذه الدولة، وأولى هذه القضايا: مسألة الطائفية والدويلات، إذاً: نشر الطائفية والتفرق والتشرذم، تحت مسمى قبيلة معينة أو منهج فكري معين أو منطقة معينة أو غير ذلك، ثم الصراع المتتابع بين هذه الدويلات، ثم دعم هذا الصراع بشكل متواصل، حتى يضعف هؤلاء أجمعون فيستغل الغرب ذلك، ثم بعد ذلك يترتب على ذلك السقوط والانهيار، وكلكم تعرفون قصة فرديناند وإيزابيلا اللذين كانا زعمين مختلفين، كل منهما في مكان، فاتفقا على حرب المسلمين، وتزوج هذا بهذه، ثم بدءوا يركزون على مسألة حرب المسلمين بصبر وأناة وتؤدة، عن طريق نشر الطائفية والفرقة والتشرذم الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوط غالب مناطق الأندلس في أيدي النصارى، ثم بعد ذلك ما الذي حصل؟ إنشاء محاكم للتفتيش، ومحاكم التفتيش هذه كان السبب الأول في إنشائها هو القضاء على المسلمين.

ومحاكم التفتيش هذه عندما تقرءون قصصاً عنها ربما لا تصدقون ما يذكر فيها، ولكن الغريب أن هذه القصص من النصارى أنفسهم، هم الذين ذكروها وتحدثوا عنها، فكان الإعدام نصيب كل من وجدوه مختوناً، أو يختن ابنه أو يصلي أو يذكر الله سبحانه وتعالى، أو يملك مصحفاً أو يتكلم بكلمات إسلامية أو غير ذلك، كان نصيبه القتل مباشرة، وليس هناك شيء اسمه تحقيق أو سجن أو غير ذلك، فقتل من المسلمين الأندلسيين مئات الألوف، بل وقد ذكر بعض المؤرخين أن القتل تجاوز ألفي ألف -أي: مليوني نسمة- من المسلمين، قتلوا على أيدي نصارى أوربا الذين يعيشون في أسبانيا، قتلوا لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، وترتب على ذلك أن أوربا انصبت بقضها وقضيضها لتحويل أسبانيا إلى دولة نصرانية كاملة في فترة وجيزة، وهذا الذي حصل، فالمسلم عندما يقبض عليه ويقتل يُرتاح منه، لكن أحياناً توجد مجموعة كبيرة من القبائل التي ربما يتعب هؤلاء النصارى في قتلهم وحصارهم وحربهم، فكانوا يحاصرونهم ويشترطون عليهم شرطاً واحداً: إما أن نحاصركم حتى تموتوا، أو أن تنتقلوا إلى الدول الإسلامية المجاورة ونعطيكم مالاً، وفعلاً يوافق هؤلاء؛ لأن هذا أرحم لهم، وكان هدف النصارى من ذلك هو أن يتكتل هؤلاء في الدول الإسلامية المجاورة، فيضعف اقتصاد هذه الدول مما يسهل عليهم ابتلاعها فيما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>