أما الموقف الذي يليه أيها الأحبة الكرام! فهو موقف شاب صغير، هذه القصة ذكرت حقيقة في الإذاعة، ولعل بعضاً منكم لم يسمعها، شاب صغير في الثالثة الابتدائية، كان يدرس في المدرسة، وكان فيها شباب يحثونه على طاعة الله سبحانه وتعالى، وعلى أداء صلاة الفجر، وعلى الاستجابة لله سبحانه وتعالى، وكانت النتيجة أن تأثر هذا الغلام الصغير بهذه الدعوة من المدرسة، واستجاب لأداء صلاة الجماعة في المسجد، ولكن الفجر صعب بالنسبة له، إذ قرر أن يصلي الفجر في المسجد، ولكن من الذي يوقظه؟ أمه؟ لا، والده؟ لا، ماذا يصنع يا ترى؟! قرر قراراً خطيراً وصارماً، وهو أن يسهر الليل ولا ينام، وفعلاً سهر الليل إلى أن أذن الفجر، وخرج إلى المسجد مسرعاً يريد أن يصلي، ولكن عندما فتح الباب إذا بالشارع موحش ومظلم، وليس هناك أحد يتحرك فخاف وارتاع: ماذا يصنع؟ ماذا يفعل يا ترى؟ وفي هذه اللحظة سمع مشياً خفيفاً، رجلاً يمشي رويداً رويداً وعصاه تطرق الأرض، وأقدامه لا تكاد تمس الأرض، فنظر إليه وإذا به جد صديقه أحمد، فقرر أن يمشي خلفه دون أن يشعر به، وفعلاً بدأ يمشي خلفه إلى أن وصل إلى المسجد، فصلى ثم عاد مع هذا الكبير في السن دون أن يشعر به، وقد ترك الباب مفتوحاً، دخل ونام ثم استيقظ للمدرسة وكأن شيئاً لم يحدث، واستمر على هذا المنوال فترة من الزمن، أهله لم يستغربوا منه إلا كثرة نومه في النهار، ولا يعلمون ما هو السبب، والسبب هو سهره في الليل.
وفي لحظة من اللحظات أخبر هذا الطفل الصغير أن هذا الجد قد توفي، مات جد أحمد، مات هذا الرجل الكبير في السن، صرخ أحمد وبكى، قيل له: ما الذي حصل؟ لماذا تبكي يا بني؟! لماذا تصيح يا بني؟! إنه رجل غريب عنك، إنه ليس أباك ولا أمك ولا أخاك، فعندما حاول والده أن يعرف السبب قال لوالده: يا أبي! ليتك أنت الميت قال: أعوذ بالله! هكذا يتمنى الابن أن يموت الأب ولا يموت ذلك الرجل؟ قال: نعم، -من براءة الأطفال- قال: يا أبي! ليتك أنت الميت؛ لأنك لم توقظني لصلاة الفجر، أما هذا الرجل فقد كنت أمشي في ظلاله دون أن يشعر إلى صلاة الفجر ذهاباً وإياباً، وقص القصة على والده، كاد الأب تخنقه العبرة، فبكى وتأثر، فكان تغيراً جذرياً كلياً في حياة هذا الأب بفعل سلوك هذا الابن، بل بفعل سلوك هذا المعلم، فانظروا إلى ثمرة هذا المعلم، ماذا أثمرت؟ أثمرت أسرة صالحة وأنتجت منهجاً صالحاً.