بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد انطلقت سيارة فارهة فيها ثلاثة من الشباب، وكانت مسرعة سرعة عالية، وهي متجهة من الرياض إلى المنطقة الغربية، كانت الموسيقى تصدح بكل قوة من مسجل السيارة، والمغني الغربي يصرخ بكل شدة، وثلاثة من الشباب يصفقون جذلين فرحين مستبشرين لسماعهم لمغنيهم المحبوب، وفجأة حصل ما لم يكن في الحسبان في منطقة قريبة من حلبان، وذلك أن السيارة انقلبت وتدحرجت عدة مرات ثم توقفت، تتقدم سيارة الإسعاف مسرعة وتحمل المصابين، وكان أحدهم وهو قائد السيارة مصاباً إصابة شديدة، فحُمل على نقالة الإسعاف وركب صاحباه بجانبه، وركب أحد رجال الأمن معهم، واتجهت السيارة منطلقة إلى أقرب مستشفى، ولعله مستشفى القويعية، وكان هذا المسجى يتنفس بصعوبة، والدم يغطي وجهه وعينيه، بل كان يغطي كل جسده باعتبار قوة الإصابة، فبدأ هذا الضابط ينظر إليه بشفقة وحنان؛ لأنه يرى فيه إصابات تكاد أن توصله إلى النهاية، وفجأة يبدأ التنفس يزداد صعوبة ويتغير، ويحس الضابط بحكم المعاشرة والمعايشة لمثل هذه الحالات أن هذا الرجل يلفظ أنفاسه الأخيرة، فبدأ يلقنه الشهادة، فقد عرف اسمه من صاحبيه، فكان يقول: يا فلان قل: لا إله إلا الله، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يرددها مرات ومرات؛ لأنه يعلم قول المصطفى عليه الصلاة والسلام:(من كان آخر كلامه من هذه الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، فرفع هذا المسجى عينيه ناظرتين إلى هذا المتحدث، وركز النظر وحدده، فكان كلما قال له: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قال: إنني في سقر، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يقول: إنني في سقر، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يقول: إنني في سقر، ثم يغمض عينيه ويسقط رأسه بعد ارتفاعة يسيرة، حينها طأطأ الضابط رأسه؛ فقد كان مشهداً مريعاً مخيفاً لأول مرة يرى مثل هذا المشهد! التفت الضابط إلى صاحبيه بسرعة، وقال: ماذا كان يصنع زميلكما؟ أكان يصلي؟ قالا: لا، والله ما كان يعرف الصلاة قط، وما كنا نعرف الصلاة قط، عند ذلك جعل هذا الضابط يردد قول الله سبحانه وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر:٣٨ - ٤٣].
إذاً: كانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير، وبينت النهاية لهذا الشاب.