الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيد الأولين، نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: أحبتي الكرام! أهلاً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وفي هذا المكان المبارك، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع وبما نقول، وأن يجعل ذلك حجة لنا، لا حجة علينا.
أيها الأحبة الكرام! أيها الإخوة الأفاضل، عندما قرأت العنوان الذي تعهدت بالحديث عنه قلت في نفسي: يا ترى هل أتحدث عن عطائنا المادي أم المعنوي؟! عن عطائنا الروحي أم الجسدي؟! عن عطائنا الذاتي أو الاجتماعي؟! عن عطائنا الإلزامي أم العطاء التطوعي؟! هل أتحدث عن عطائنا التربوي أم العطاء الدعوي؟! هل أتحدث عن العطاء الجهادي؟! هل أتحدث عن عطاء القلم عن عطاء الفكر؟! عن ماذا يا ترى؟! كما تلحظون هي عناوين كثيرة، وفقرات عديدة كل منها يحتاج إلى وقفات تليها وقفات، بل إلى دروس ومحاضرات، بل يا ترى هل نتدارس هذا العطاء الذي نقدمه والذي نعطيه، والذي ندفع بموجبه من مالنا، ومن جهدنا، ومن وقتنا، ومن إمكاناتنا وقدراتنا؟ هل نتدارس هذه العطاءات المتنوعة ذات العناوين المتعددة، هل نتدارسها سلباً وإيجاباً، أم تشاؤماً وتفاؤلاً، أم إفراطاً وتفريطاً، وقوة وضعفاً؟ أيها الأحبة! حيث إن فعاليات المعرض تدور حول سنابل العطاء، لذلك سوف ينحصر كلامي حول الإنفاق والعطاء والبذل؛ لتستمر هذه السنابل مورقة مزدهرة عالية، تمد الآخرين بالعطاء بكل جمال، وتنشر النعمة في كل مكان، وأنتم تعرفون أحبتي الكرام أن المال هو صلب النفقة وأسها وأساسها، بل ورأسها وقاعدتها، وقد قدمه الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه على بذل الروح؛ لأهميته، ولرغبة الناس فيه، بل ولتمسكهم به ادخاراً وحفظاً، بل بعداً وشحاً.
والمال أيها الأحبة الكرام نعمة من النعم العظيمة التي يهبها الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده، ويمنعها عمن يشاء من عباده ابتلاءً وامتحاناً؛ ليرى من يشكر هذه النعمة، ومن يصبر على هذا البلاء، فمن رزقه الله مالاً واتقى الله فيه وصرفه فيما يرضيه، بارك الله له فيه، ورزقه من حيث لا يحتسب، وحفظه عليه ونماه له.
وأنتم تعرفون أحبتي الأفاضل أن قضية النفقة والإنفاق والإعطاء والبذل من القضايا التي وجد كثير منا أن هناك شحاً في هذا الزمان في بذلها، والمساهمة فيها، ولعل الأمر مبني على أسباب كثيرة ومتعددة، لعل هناك وقفات سأبينها في ثنايا هذا اللقاء المبارك.
أحبتي الكرام! سوف يشتمل هذا اللقاء على جملة وقفات، من هذه الوقفات أريد أن أشير إلى قضية الصور المشرقة المضيئة لبعض العطاءات التي حقيقة عندما تسمع لها وعندما تقرأ عنها ولا أظنها مكتوبة -ستعطيك دفعات إلى الأمام، وتعطيك قوة للمساهمة والمشاركة والبذل والتضحية، حتى تكون مثل ذاك الشخص الذي بذل، وفي نفس الوقت ستكون هناك وقفات مصورة أو صور مسموعة لبعض السلبيات المتعلقة بالعطاء، فأحياناً يعطي الإنسان ويقدم ويضحي، ولكنه لا يحرص على وضع الأمور في نصابها، فتكون النتيجة ردة فعل عكسية لا تؤتي الثمار المرجوة، وأستفتح بصورة من صور العطاء الإيجابية وصورة من الصور السلبية، ثم بعد ذلك أدخل في بعض فقرات المحاضرة، ثم أختمها بصور أخرى سلباً وإيجاباً، حتى تتحدد لنا صورة عطائنا إلى أين؟! إذاً: نحن نفقه الآن أن العطاء سيتركز على العطاء المادي، فلن يكون هناك حديث عن العطاء التربوي، ولا عن العطاء الروحي، ولا عن العطاء الفكري، ولا حتى عن العطاء الاجتماعي أو غيره، باعتبار أن كل موضوع من هذه المواضيع يحتاج إلى محاضرات وجلسات ودروس متعددة.
أيها الأحبة! أثناء الغزو الصربي للبوسنة والهرسك كان الإخوة الذين يساهمون بالبذل يقومون بالسفر إلى تلك البلاد، ويستقبلون التبرعات التي تقدم من هذا البلد ومن أبناء هذا البلد، تبرعات عينية، سيارات مليئة بالنعم المتعددة، وهذه النعم هي احتياجات الناس من أكل وشرب، فكانوا يقدمون هذه الأطعمة لهؤلاء المساكين الذين هجمت عليهم الصرب هجمة شرسة بقصد استئصالهم، ولكن كما قال سبحانه:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:١٩] وقال عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة:٢١٦] فهذا الغزو على أنه شر كما يتبادر إلى الأذهان؛ إلا أن فيه من الخير العظيم ما لا يدركه الكثير من الناس، فإن تلكم البلاد كانت بلاداً ضائعة بمعنى الكلمة، فالإسلام مجرد اسم، أما الفعل فلا وجود له، عندما حصل الغزو وجاء الناس يناصرون من ينتسبون إلى دينهم، وإذا بهم يجدون الجهل والضياع والانحراف، فبدأت مسيرة التغيير والتجديد، وكانت النتيجة أن المساجد الخاوية والتي لا يرتادها إلا كبار السن، بدأت تعج بالمصلين الشباب، وهؤلاء النساء السافرات اللاتي لا يعرفن من الدين إلا إسمه بدأن يرتدين الحجاب الكامل، وبدأت المدارس تنتشر، وبدأ الخير يعم، وبذلك يقول أحدهم: والله إننا نرى أن هذا الغزو خير من الله سبحانه وتعالى لنا، قدمنا الآلاف، ولكننا كسبنا الآلاف، ولا يقصد بالآلاف الآلاف المادية، ولكن إنما يقصد بذلك آلاف الحسنات.