[عقيدة اليزيدية في إبليس]
هم يؤمنون بالله، ويؤمنون بوجود رب لهذا الكون، لكنهم يقولون: إن الله خلق هذا الكون بأكمله، ثم خلق سبعة من الملائكة مساعدين له، من أبرزهم وأشهرهم إبليس، وهو زعيمهم وحاكمهم.
وإبليس هذا له مكانة ليست باليسيرة عند هؤلاء اليزيدية، وقد أطلق عليهم الكثير من العلماء: عبدة الشيطان؛ لأنهم يعبدون إبليس باعتباره -عندهم- زعيم الملائكة، وهو في المرتبة الثانية بعد الله سبحانه وتعالى.
ويقولون: إن إبليس مظلوم، ويقال من باب التوسع في هذه المسألة: إن اليزيدية إذا جاءهم إنسان ولعن إبليس عندهم فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
ومن تعوذ من الشيطان عندهم فإنه يقتل، وهذا أمر متواتر عندهم، وقد ذكر أحمد تيمور باشا في كتاب له عن اليزيدية -وهو كتاب قيم-: أنه من خلال رجوعه إلى بعض كتبهم المقدسة التي لم تترجم وذكر بعضاً من نماذجها يقول: إن عدي بن مسافر عندما جاء من سفره الطويل بعد أن تلقى العلم على أيدي بعض المشايخ الصوفية وجد أن الناس يلعنون يزيد، ويلعنون الحكام العباسيين بأكملهم ويلعنون الخوارج ويلعنون الشيعة، ثم تطور اللعن إلى لعن علماء الشيعة وأئمتهم، حتى وصل اللعن إلى لعن علي بن أبي طالب والحسن والحسين لنوع من الانتقام.
فيقولون: كونكم تلعنون يزيد الذي ننتسب إليه فنحن نلعن الذي تنتسبون إليه وهو علي بن أبي طالب أو الحسن أو الحسين، ونلعن عبد الله بن عباس الذي ينتسب إليه العباسيون.
إذاً: صارت القضية قضية لعن لأناس مشهورين وبارزين ومعروفين، فأراد عدي أن يبعدهم عن اللعن، فعندما رأى القبول بالنسبة له نهاهم عن اللعن فانتهوا قليلاً، ثم حرم اللعن عليهم تحريماً قطعياً، حتى إن التحريم وصل إلى حد تحريم لعن إبليس بنفسه، فصار هؤلاء لا يلعنون أحداً، حتى إبليس أو الفراعنة أو أبو جهل أو أبو لهب أو غيرهم لا يلعنون.
فهم يحرمون إطلاق اللعن، فترتب على ذلك أن هذه العقيدة نشأت من هذا المنهج.
بعد أن مات عدي وجاء الشيخ حسن استغل هذا الجانب في مسألة أن إبليس يعتبر ملكاً له مكانة وله سلطة قوية، ولابد أن يعبد.
إذاً: هؤلاء اليزيدية يعتقدون أن الكون خلقه الله سبحانه وتعالى وخلق سبعة ملائكة يعينونه ويساعدونه، وهؤلاء الملائكة يتمثلون في بشر ويسمون بالآلهة السبعة، فقد أوكل الله إليهم تصريف أمور الكون.
وهؤلاء لهم تواجد ووجود لكنهم لا يمكن أن يظهروا في كل حين على الناس، فيقولون -مثلاً- إن يزيد أحد الآلهة السبعة، وهو ميت كجسد لكنه باق كروح، فهو ملك ارتبط بجسد ثم انتقلت هذه الروح لتدير جزءاً من الكون وبقي جسده المقدس في الأرض، فصار هذا الرجل ينقسم إلى قسمين: جسد مسجى في الأرض يعبد؛ لأن الروح قد حلت فيه فترة من الزمن، فقد تبارك الجسد بحلول روح هذا الملك فيه، وروح تدور في الكون وتصرفه.
فـ يزيد وعدي بن مسافر وإبراهيم بن حرب وغيرهم من السبعة كانوا ملائكة حلوا في هذه الأجساد.
ورابعهم الشيخ حسن، وهكذا بعض زعمائهم التالين لهم، حتى أوصلوهم إلى الآلهة السبعة، وأوكلوا بكل روح تصريف جزء من أمور الكون.
وهذا يقودنا إلى الدخول في مسألة التأثر الصوفي الغالي، بمعنى: أن هذه الفكرة أو هذا القول نابع من تأثر عدي بن مسافر بفكر الغلاة من الصوفية الذين كانوا يرون أن الكون يديره أقطاب أربعة، وكل قطب له جزء من الكون يتصرف فيه ويديره حسبما يشاء، وهؤلاء الأقطاب الأربعة يختلف الصوفية في نسبتهم، فالبعض يقول: البدوي والدسوقي والرفاعي والجيلاني، وكل واحد يتصرف في ربع من أرباع الكون إلى آخر ذلك من الشعوذة والكلام الفارغ.
لكن اليزيدية استفادوا هذه الفكرة من الصوفية ونقلوها إلى دينهم.
إذاً: هذا جانب من جوانب التأثر اليزيدي من قبل المتصوفة.
ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى عندما أمر جبريل أن يأتي ببعض التراب من الأرض، ثم نفخ الله في هذا التراب الروح، ثم خلق منه آدم، ثم خرج من جسد آدم جسد آخر وهو جسد حواء.
ثم بعد ذلك أمرهما الله سبحانه وتعالى ألا يأكلا من شجرة القمح، أما بقية الشجر فيأكلان منها كيفما شاءا.
فاستمر آدم في الجنة أكثر من مائة سنة على هذا الوضع، وبعد ذلك بفترة من الزمن جاء إبليس وقال لآدم: ألا ترغب في ذرية؟ قال: بلى، أتمنى ذلك.
قال: لك علي أن أعطيك الأبناء، لكن أطعني.
فهم يريدون أن يحرفوا القصة ليكون إبليس في هذه الحالة قد فعل خيراً.
فقال إبليس: كل من هذه الشجرة، أي: شجرة القمح.
فأكل منها، وكان آدم لا يملك مخارج لتسريب الفضلات، فإن كل ما يؤكل من الجنة كان يضيع أو يخرج عرقاً، إلا القمح فإنه تكون نتيجة له بول وغائط، ولكنه لا يستطيع أن يخرجه، فاشتكى من هذا الأمر.
فأرسل إبليس أحد الطيور إلى آدم فنقره نقرتين من الأمام والخلف، فانفتح فيه فتحتان للبول وللغائط، ثم بعد ذلك غضب الله على آدم لأنه عصاه في الأكل من الشجرة، وقال له: إن الجنة مطهرة طاهرة، وأنت الآن أكلت من هذه الشجرة فبدأ يخرج منك شيء قذر، وهذا لا يناسب الجنة، ولا يناسب ذلك إلا مكان آخر غير الجنة، فخرج إلى الأرض.
فجاءه إبليس وقال له: إذا أردت الأبناء فاستخدم كذا وكذا، فوصف له الطريق ورزق بأبناء، فأعجب آدم بإبليس وأحبه، فإبليس له خدمة ليست باليسيرة بالنسبة لنا، فنحن الآن أثر من آثار نصيحة إبليس لأبينا آدم، وبالتالي فلا بد أن نحترم إبليس نتيجة لذلك.
هذا توجيه ولهم عدة توجيهات في مسألة: لم يسمون عبدة الشيطان؟ ولم يحبون إبليس؟ فوجدوا في القرآن آيات كثيرة فيها لعن إبليس، وقالوا: هذا القرآن محرف من قبل الصحابة الذين جاءوا وأضافوا فيه هذا اللعن كراهية لإبليس، فكان القرآن عندهم محرفاً فيحرفونه بطمس أي كلمة فيها لعن لإبليس أو للشيطان أو غير ذلك بالشمع الأبيض.
فالسبب الأول هو قضية اللعن.
والسبب الثاني: القصة التي ذكرت.
السبب الثالث: يقولون: إن إبليس هو سيد الموحدين؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمره بأن يسجد لآدم فرفض السجود، وبقية الملائكة سجدوا لبشر، إذاً: هؤلاء أشركوا مع الله غيره في السجود.
أما إبليس فرفض أن يسجد لغير الله؛ لأن السجود لا يكون إلا لله، فهو سيد الموحدين لأنه رفض أن يشرك مع الله حتى لو زج في النار، فهذه دلالة على أنه ذو عقيدة راسخة لا يمكن أن تتحلحل.
السبب الرابع: إن إبليس في هذا الزمن عنده القدرة على أن يضر الناس، فهذه القدرة توجب الخوف منه، وبالتالي فالخوف من إبليس يدعونا إلى أن نحترمه ونقدره؛ حتى لا يضرنا، ويجعل الضرر متجهاً إلى غيرنا.
السبب الخامس: إن إبليس فيه بطولة عندما تحدى أمر الله سبحانه وتعالى.
وانظروا كيفية التوجيهات العجيبة بالنسبة لهؤلاء في سبيل احترامهم لإبليس الذي أدى فيما بعد إلى أنهم يعبدونه ويوجهون له فروض العبادة.
وهم لا يرون إبليس ولا يشاهدونه، ولكنهم يحبون أن يمثلوه في صورة من الصور، وبما أن اليزيدية يعيشون في شمال العراق، وشمال العراق مأوى لمجموعة كبيرة من الديانات ومن أبرزها ديانة الصابية التي تتمثل في عبادة الكواكب ممثلة في أصنام تصور هذه الكواكب، فقد استفادوا من هذه العقيدة فصوروا إبليس على أنه طاووس، فلذلك يسمونه الملك طاووس أو طاووس ملك.
فصوروا إبليس على شكل طاووس وجعلوا هذا الطاووس على ألوان ويغلب عليها اللون الأزرق، ثم بعد ذلك عملوها على شكل فخار أول الأمر مصبوغة ثم برونز ثم ذهب وبدءوا ينشرونها، ولذلك قلما تجد بيتاً من بيوت اليزيدية وإلا فيه طاووس موضوع في أبرز مكان في البيت، ويتوجهون إليه بعبادات معينة.
فإبليس الآن يعبد من دون الله نتيجة للأسباب التي ذكرت.