أما المقدمات الموجزة: فأحب أن أنبه الإخوة الكرام إلى أن جميع ما تعرض له المسلمون من مذابح كان الهدف الأول والأخير فيها واحد، سواء كانت هذه المذابح في القرن الأول، أو في القرن الذي نعيشه الآن.
استعرض أي مذبحة واقرأ تفاصيل هذه المذبحة واقرأ الأسباب، ثم اقرأ النتائج، ثم قارن، ثم ستعلم صدق كلامي من كذبه.
أقول: إن هذه القضية لا بد أن تجعل في ذهن المسلم على أنها قضية مسلمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أوضح لنا ذلك بقوله:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:٢١٧] فقوله تعالى: (ولا يزالون) تدل على الاستمرار، استمرار متتابع متواصل، مذابح متتابعة متواصلة، ما هو الهدف؟ الهدف هو:((حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) هل التعبير في هذه الآية يئول إلى غير المعنى المراد، بأن يعتقد الإنسان أن قوله تعالى:(ولا يزالون يقاتلونكم) حتى يحتلوا بلادكم، أو حتى يظفروا باقتصادكم أو بخيراتكم، أو بكذا وكذا؟ لا، بل لا بد أن تجعل نصب عينيك أن كل قتال ضد الأمة المسلمة منذ أن بزغ فجر الإسلام إلى زماننا هذا، بل إلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها أنه قتال عقائدي في سبيل العقيدة، بل ولا تكاد تجد قتالاً على وجه الأرض إلا وللعقيدة أسباب قوية في دفع المتقاتلين والمتحاربين إلى هذا القتال، فالعقيدة هي المحركة لهذه المسألة، وهي التي بسببها حصلت هذه المعارك، ولعل الوقت لا يسمح لعرض نماذج من هذا، ولكن أقول: إن الحرب التي تقع بين النصارى أنفسهم تجد أنها بسبب أن هؤلاء كاثوليك وهؤلاء بروتستانت، وتجد أن هؤلاء أرثوذكس وهؤلاء كاثوليك، وتجد أن هؤلاء أرمن وهؤلاء مارون، وتجد أن هؤلاء وهكذا، فهي حروب عقائدية.
عند اليهود كذلك تجد أن هؤلاء بابليون وهؤلاء سامريون، حرب متتابعة بين هؤلاء، لم؟ ما هو السبب؟ هل هو سبب اقتصادي؟ لا، هو سبب عقائدي، إذاً: ضع في اعتبارك أن الحرب الموجهة ضد الأمة المسلمة هي حرب بسبب تمسكها بعقيدتها، وكلما ازداد التمسك بالعقيدة ازدادت شدة الحرب ضد الأمة، والله سبحانه وتعالى أوضح لنا ذلك بقوله:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:١٢٠] فالمنهج هنا أن الرضا لا يأخذ أي طابع الموافقة، سواء كان عبوديةً أو ذلةً أو مطاوعةً على طول الخط، لا يكون هناك رضاً إلا بأن يعلن الإنسان رفع راية النصرانية أو رفع راية اليهودية، عند ذلك نظفر برضا هؤلاء اليهود أو هؤلاء النصارى.
وتجد الدول التي ترتمي تحت أقدام النصارى واليهود وبالرغم من الذلة التي تفرض عليها، لا زال هؤلاء اليهود والنصارى يحتقرونهم، ويرون أنهم لم يحققوا أهدافهم بعد؛ لأن الهدف الأسمى بالنسبة لهم هو أن تنضم هذه الدول إلى ركبهم عقائدياً ودينياً.
الوقفة الأخرى في المقدمة: أنني لا بد أن أنبه إلى أن هناك قصوراً سيحصل في هذه المحاضرة باعتبار أن هناك تشعبات متعددة وكثيرة، حاولت أن ألم بأطرافها لعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل في هذا اللم خيراً، إنما أقول: أن هناك قصوراً سيلحظه بعض الموجودين ممن هم أعلم مني بذلك، ولكن أقول: إنني بذلت وحسبي ما بذلت، والله سبحانه وتعالى هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.