أما الكفر العملي الأصغر فقد ورد كثيراً في نصوص شرعية تسميته كفراً، لكنه لا يصل إلى درجة الكفر الأكبر، ومن ذلك نصوص كثيرة جداً، من ذلك:(من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)، ذهب شخص إلى كاهن من الكهان، وسأله سؤالاً من الأسئلة، وتعرفون الآن أن كثيراً من الكهان في كثير من البلاد ينتشرون ويتعاملون مع قرنائهم من الجن، فيعطونهم معلومات قد تكون خاصة فيما يرتبط بالماضي صادقة، وكثير من العامة الذين يسافرون إلى البلاد الأخرى مثل المغرب ومصر وغيرها يتعاملون معهم، وقد سألت أناساً سألوهم، وأذكر شخصاً عمره خمسة وخمسون سنة، ذهب إلى واحد من الكهان في مصر، يقول: جلست معه، فقال لي كل المعلومات الداخلية الخاصة بي، يقول: أخبرني عن أمور خاصة جداً، ذكرها لي ولا يعرفها أحد إلا أنا وزوجتي، يقول لي الكاهن: واسمك واسم أولادك وأسماء بناتك، وأسماء كذا، وبيتكم في المكان الفلاني، ولونه كذا، وسيارتك لونها كذا، وغرفة النوم لونها كذا، والفراش لونه كذا، وو حتى وصل إلى أشياء لا تعرف إلا بيني وبين زوجتي في ملابس داخلية أو غير ذلك، فيقول: انذهلت من ذلك، شيء غريب.
فهذا الكاهن ذكر له الماضي، مثلما يقولون: قراء الفنجان، أو قراء الكف، أو الضرب بالحصى أو الرمل أو غير ذلك، وهذا موجود بكثرة في هذه الدول، إذ يأتي رجل عليه شخصية وهيئة، ومعه فنجان صغير وصندوق، وهذا الصندوق فيه بعض الأدوات، فهذا يصيح بلحن معين، ويدعو إلى قراءة مستقبلك، فتناديه، وتذهبون إلى رصيف من الأرصفة ويبدأ هو في أخذ فنجان ويخطط فيه أو ينظر فيه، أو يأخذ كفك ويخطط فيها، كأنه يقرأ المستقبل كما يقولون، أو يأخذ رملاً ويخطط فيه أو غير ذلك، وكل هذه الحركات لا قيمة لها، فقط هو ينتظر أن يأتي قرينك من الجن بالمعلومات ليعطيها قرينه من الجن، فيصبها في ذهنه أو في روعه فينفث بها، هذا هو المنهج، وإلا فإن القراءة هنا لا قيمة لها، بل كلها متساوية، ثم بعد ذلك يعطيه المعلومات، ثم يقول: لحظة: أقرأ لك المستقبل، وهنا انتهى دور القرين، لأن المستقبل علم غيب ولا يعلمه إلا الله، لكنه يربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل، فلا يأتي رجل عمره خمسون سنة أو ستون سنة، ويقول له: أنت ستتخرج من الثانوية أو من الجامعة، أو ستتزوج وعمرك ثمانون سنة أو تسعون سنة، أو غير ذلك، لا، لكنه يعطيك أشياء مناسبة، فعندما يكون عمرك ثلاثين سنة أو خمسة وعشرين سنة، ويعرف أنك غير متزوج، يقول: أنت ستتزوج، وستتخرج من الجامعة، وسترزق كذا، وسيأتيك كذا، ويعطيك أشياء جميلة، ثم يعطيك حالة خاصة فيها نوع من الألم، كأن يقول: ستصاب بحادث وستنجو منه، أو ستصاب بسكر في جسدك وستنجو منه وتشفى منه بسرعة، وبهذا الأسلوب يتعامل معك، حتى لا تكون المسألة مفضوحة، ثم تعطيه وتغدق عليه العطاء، فهؤلاء الذين يأتون الكهان قد كفروا كفراً أصغر.
كذلك ما ثبت عن المصطفى عليه السلام أنه قال:(سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر) فقتاله كفر أصغر.
وكذلك ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:(اثنتان في أمتي هما بها كفر: الطعن في النسب، والنياحة)، فالطعن في الأنساب الآن من الأمور التي عمت وطمت في هذا الزمان، هذا خضيري وهذا قبيلي، هذا خط ١١٠، وهذا خط ٢٢٠، وهذا عبد وهذا نذل، هذه كلها داخلة تحت هذا التحذير النبوي العظيم:(اثنتان في أمتي هما بها كفر: الطعن في النسب) الطعن في الأنساب كأن تطعن فيه فتقول: هذا الرجل من أين جاء، جاء من المريخ، جاء من القمر؟ جاء من آدم! وأنت من آدم! وكلنا من آدم، وكلنا نرجع إلى التراب فلماذا تقول: لا بد أن يلتزم مع أناس أقوياء، فيكون أفضل له؟! وربما يغير في اسمه، وربما لا يأتي باسمه الحقيقي حفاظاً على روحه، وبالتالي هذا يعتبر خارجاً عن الأصل.
هذه القضية موجودة ومنتشرة في المجتمعات، فكلما انتشر الجهل فيها انتشرت، وكلما علم العلم الشرعي وظهر وبرز تلاشت، ولذلك كلما كان المجتمع جاهلياً في فكرة كانت هذه متأصلة، وكلما قل المجتمع وابتعد المجتمع عن هذه الجاهلية وجد أنها قد ضعفت فيه شيئاً فشيئاً، ولذلك في مجتمعنا الآن بدأت تضعف وتقل ولله الحمد، ومن الشيء الغريب جداً: أن يأتيك رجل من الصلحاء الأتقياء البررة، وعنده بنت لكنها غير مناسبة، إما أنها أشرف منه أو أقل شرفاً فلا يتزوجها، ويذهب ويتزوج من لبنان أو من سوريا أو من مصر، لا تعرف أصله وفصله، ومع ذلك تمدح هنا، وتذل من هنا، لأن المفاهيم عندنا منحرفة، فانحراف المفاهيم بهذه الطريقة وبهذه الكيفية تحتاج إلى توعية من الشباب وإلى فهم منهم، فاعلم أن كثيراً من العلماء السابقين كانوا أبناء إماء، فقد ثبت ثبوتاً كاملاً قطعياً أن الأئمة السبعة المشهورين كانوا أولاد إماء، بل وثبت أن المشهورين من الحكام كانوا أولاد إماء، منهم: هارون الرشيد كلكم تعرفونه أمه امرأة اشتريت من السوق وجارية، ثم في النهاية ولدت رجلاً من أعظم الرجال، والمأمون كذلك أمه جارية.