للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب عبادة الهندوس للبقر وكيفيتها]

هناك نقاط أخرى عن كيفية العبادة، في مسألة كيف يقف إذا كانت البقرة تأكل من داره، وكيف يقف أمامها وبأي صورة، وما هي الأدعية التي يذكرها.

إذاً: البقرة بالنسبة لهم معبودة؛ فلماذا يعبدون البقرة دون غيرها؟ الهندوس أول ما بدءوا كانوا يعبدون القوة، والهنود القدماء الذين كانوا قبل الآريين كان لهم عبادات يقال لها: العبادات الطوطمية، يعني: أي شيء يعجبهم يتخذون له تمثالاً، فإذا كان يعجبهم الأسد يتخذون له تمثالاً ويعبدونه على أنه الأسد، كذلك الأفعى وهكذا، ثم بدءوا يحصرونها في الشيء الذي ثبت ضرره أو ثبتت قوته أو ثبت نفعه، فمثلاً: المناطق الزراعية والغابات مليئة بالأفاعي وتعم وتكثر، فهي مخيفة: تعبد رهبةً ودفعاً لضررها، كذلك الأسد شجاع ومخيف ويعيش في الغابات وقوي ويقتل، إذاً: يعبد نتيجة لقوته.

والبقرة تعبد لأنها تعطي، وخاصة أنها تأكل من العشب الأخضر الشيء الكثير فتدر لبناً عجيباً جداً، إذاً: هي تعطي شيئاً كثيراً فتعبد لنفعها.

ثم يقولون قولاً آخر: إن عبادة البقر عند الهندوس ناتجة من تأثرهم بالفراعنة، فإن الفراعنة تأثر بهم اليهود، واليهود تأثر بهم الهندوس، وذلك أن الفراعنة كانوا يعبدون عجلاً يسمى أبيس، وإلى الآن في مصر هناك معبد يسمى معبد أبيس فيه مجموعة كبيرة من الأصنام لهذا العجل في صورة بقر، ففي فترة من فترات الفراعنة كانوا يعبدون البقر، وعندما سافر بنو إسرائيل مع موسى ودخلوا في التيه ذهب موسى عليه السلام لتكليم الله سبحانه وتعالى، فاتخذ السامري لهم عجلاً من ذهب، وقال: هذا إلهكم، فصدقه بنو إسرائيل؛ لأن عقيدة عبادة البقر ما زالت باقية في قلوبهم، والإيمان لم يستقر بعد في قلوبهم، فعبدوا هذا العجل وكان السامري عندما أخرج لهم العجل جعل الهواء يدخل من فمه ويخرج من دبره: {عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [الأعراف:١٤٨] أي: له صوت، نتيجة لدخول الريح، فأعجبوا به فاتخذوه إلهاً، وعندما جاء موسى عليه السلام غضب عليهم وقام بإحراق هذا العجل وذره في اليم ونسفه نسفاً، ويقولون: إن بعضاً من الآريين احتكوا باليهود إبان الغزو البابلي، فـ بختنصر عندما هاجم اليهود كان جزء منهم متشربين بعقيدة حب العجل وعبادته، فأخذه هؤلاء الإسرائيليون إلى العراق ببابل، ومر بهم الآريون في هجرتهم إلى الهند، فأخذوا منهم عبادة العجل فوجدوا البقرة في الهند فعبدوها نتيجةً لذلك.

إذاً: قضية عبادة البقرة عند الهندوس نابعة من أن هناك توجهات في القضية، وهي غير معروفة، لكن يقولون: السبب في ذلك أن الهنود القدماء حصروا معبوداتهم الطوطمية المتفرقة في ثلاثة أشياء: مصدر الرعب، ومصدر القوة -هذا في الحيوانات فقط- ومصدر النفع، فمصدر الرعب يمثله الأفعى، ومصدر القوة الأسد، ومصدر النفع البقرة هذا القول الأول.

القول الثاني: أنها مأخوذة من عقائد الفراعنة التي أخذها عنهم اليهود، ثم انتقلت من اليهود الذين في فلسطين إلى أسرى اليهود الذين أسرهم بختنصر، فمر بهم الآريون في هجرتهم، فأخذوا منهم هذه العقيدة وذهبوا بها إلى الهند.

القول الثالث: أن الهند مرت بها فترة من الفترات كان فيها جفاف ومجاعة، فأردوا أن ينموا نوعاً من أنواع الحيوانات، فاختاروا البقرة باعتبارها أفضل أنواع الحيوانات فائدة، ولكي يجعلوا الناس يحافظون عليها أضفوا عليها طابع القدسية، فصارت مقدسة حتى تبقى، لا تقتل ولا تذبح ولا تهان ويستفاد منها؛ نتيجةً لذلك.

من الطرائف حول هذه المسألة: أن الأثرياء من المسلمين إذا أراد الإنسان منهم أن يعمل خيراً بنى مسجداً أو رباطاً لأهل الخير أو مدرسة تحفيظ قرآن، كذلك الأثرياء في الهند إذا كان الإنسان منهم يريد أن يعمل خيراً بنى حوشاً ضخماً مظللاً للبقر الكبيرات في السن، فإذا بلغت البقرة سناً معيناً لا تعطي لبناً وليس فيها فائدة لا تذبح، بل تحصر في هذا المكان إلى أن تموت فإن ماتت فهناك طرق لدفن البقر، ففي نصوصهم: إذا ماتت البقرة لابد أن تطيب ولابد أن تكفن ولابد أن يذهب بها، ولابد أن تحرق بخشب الصندل، ولابد أن يأتي معها الكهنة ويقرءوا الأناشيد والترانيم أمامها، ولابد أن يقف الناس بخشوع أمام البقرة وهي تحرق.

وفي هذا دلالة على منحهم القدسية لهذه البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>