للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آداب قيام الليل]

أما الوقفة قبل الأخيرة: فهي عرض لبعض آداب قيام الليل.

فأول أدب من هذه الآداب: أن يتوضأ الإنسان قبل أن ينام؛ لأن هذا معين، فإنك عندما تتوضأ وتستشعر أن هذا الوضوء هو من آداب قيام الله سيكون ذلك هماً في قلبك، وبالتالي ستجد أن الاستيقاظ سيكون عليك سهلاً ميسوراً، وهذا أمر واضح، فأنت عندما تضع الساعة مثلاً على الرابعة قبل الفجر لأن إقلاع الطائرة سيكون في الساعة ٥.

٣٠ فستجد أن نومك سيكون خفيفاً جداً ولو كنت مرهقاً ومتعباً، وستستيقظ مسرعاً؛ لأنك جعلت قيامك للسفر أصلاً مهماً، وبالتالي استيقظت.

الأدب الثاني: أن تنوي أن النوم للراحة؛ حتى يعينك على قيام الليل، فتكسب كسبين: الكسب الأول: أنك جعلت النوم أجراً.

والكسب الثاني: أنك جعلت النوم راحة أو وسيلة لقيام الليل.

الأدب الثالث: أن تذكر الله سبحانه وتعالى عند القيام من النوم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تعار من الليل -أي: استيقظ- فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته)، رواه الإمام البخاري.

الأدب الرابع من آداب قيام الليل: أن يتسوك الإنسان عند القيام، فقد ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشوص فاه بالسواك إذا قام من الليل) يعني: بعد أن يتوضأ أو أثناء الوضوء، وكان يشوص فاه لأنه سيقف بين يدي الله، فلا بد أن يكون طيب الرائحة، فالواحد منا عندما يذهب إلى العمل، أو إلى أي مكان سيقابل فيه الآخرين يريد من فاه أن يكون حسن الرائحة، فلابد أن يكون ذلك في وقوف العبد بين يدي الله من باب أولى.

الأدب الخامس: أن تجعل قراءتك بين الجهر والسر، ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أبي بكر الصديق وهو يتهجد خافضاً صوته، ثم مر بـ عمر وهو قائم يرفع صوته، فسأل أبا بكر، فقال: يا رسول الله؟ لقد أسمعت من ناجيت، وسأل عمر، فقال: لأطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان -يعني: النائم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: (ارفع قليلاً، وقال لـ عمر: اخفض قليلاً).

الأدب السادس: أن تستحضر في لحظات قيامك نزول الرب إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته، وهو يقول: (هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من داع فأستجيب له؟)، وذلك في ثلث الليل الآخر كما مر بنا.

فإنك عندما تستحضر هذا وتربي نفسك على استحضاره تعلم أن هذا الثلث الأخير هو لحظات استجابة، وأن الله سبحانه وتعالى قد بسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، فتتوب من ذنوبك كلها، وتسأل الله من فضله.

الأدب السابع: التفكر والتدبر فيما تقول وتقرأ، فإنه ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها.

الأدب الثامن: أن تفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، كما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين)، رواه مسلم.

ولعل ذلك حتى تنحل العقدة الشيطانية الثالثة؛ لأنه إذا قام وذكر الله، ثم توضأ، ثم صلى ركعتين انحلت العقدة الثالثة، فكان نشيطاً، وبالتالي يكون نشطاً للصلاة الباقية.

يا خاطب الحور في خدرها وطالباً ذاك على قدرها انهض بجد لا تكن وانياً وجاهد النفس على صبرها وقم إذا الليل بدا وجهه وصم نهاراً فهو من مهرها فلو رأت عيناك إقبالها وعقد يشرق في نحرها لهان في نفسك هذا الذي تراه في دنياك من زهرها وأخيراً: أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا ممن يذكره قياماً وقعوداً وعلى جنبه، وأن يجعلنا ممن يقوم الليل، وأن يعيننا على قيام الليل إنه ولي ذرك والقادر عليه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>