[الوثيقة الرابعة عن إفسادات بني إسرائيل]
الحقيقة التي تليها: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:٤ - ٧].
هذه الحقائق وهذه الوثائق الإلهية العظيمة العجيبة فيها من الدروس ما لا يحصيه من يتتبعها، ومن ينظر فيها، ومن يدقق في محتواها؛ الله سبحانه وتعالى كتب على هؤلاء القوم أن لهم الظهور مرتين فقط: أما المرة الأولى فقد ظهروا في عام ٤٠٠ بعد البعثة الموسوية، فظهروا وتجبروا وطغوا وفسقوا، وأفسدوا، وقتلوا الأنبياء، وكانت النتيجة أن سلط الله عليهم الغزو البابلي الأشوري بقيادة بختنصر، فجاس خلال الديار ودمر كل شيء، ولم يبق حجراً على حجر، كما قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:٢٥٩] هذا هو نبي الله أرميا.
هذا الرجل أرميا مر على بيت المقدس وهو مدمّر، لأن بختنصر لم يبق في دولة اليهود أحداً أبداً، وأخذ معه قرابة نصف مليون أسير إلى العراق، ولا زالت بقاياهم إلى الآن في العراق، أخذ معه كل المقدرات الاقتصادية، ولم يبق في البلد شيئاً، ومن لم يأخذه قتله، ومن لم يقتله أبقاه لأنه كبير في السن، ثم لم تقم لليهود قائمة، ولاحظوا نقطة مهمة، وهذه نظرية تفسيرية لبعض علماء الملل مع أن بعض العلماء يخالف في ذلك؛ وأنا أذكر هذا لقناعتي به.
يقول هذا العالم: ولم تقم لليهود بعد هذه الدولة التي فسدت وفسقت قائمة، وقد حاولوا إقامة الدولة في بداية سيطرة الدولة اليونانية فلم يستطيعوا، وحاولوا في بداية سيطرة الدولة الرومانية فلم يستطيعوا، قد تقوم لهم دولة لكنها صغيرة في حكم ذاتي قليلة العدد، أما أن يقوموا قومة كاملة فلم يظهر لهم كيان إلا عام (١٩٤٨م) يعني: قبل اثنين وخمسين سنة.
يقول الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسراء:٦]، أي: ((ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ)) أيها اليهود! ((الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)): الضمير يعود على العراقيين، والعراقيون قد ذهبوا، فلهذا قال هذا العالم أي: على المسلمين، فلماذا لم تذكر الآية المسلمين: ثم رددنا لكم الكرة على المسلمين؟ يقول هذا العالم: إن ظهور دولة اليهود عام (١٩٤٨م) كان والإسلام في أقل حالاته، كانت القومية العربية، كانت الاشتراكية، كانت الشيوعية، كانت الحداثة، كانت الإباحية، كان لها صولة وجولة، أما الإسلام فكان موسوماً بالرجعية والتخلف؛ ولذلك يكون الضمير في بعض الأحيان للتحقير، ففرق بين قولك: جئت أنا وأبو محمد، هذا رفع من الشأن، لكن قولك: جئت أنا وهذا! فيها تحقير، فهنا الضمير يكون للتحقير؛ فقوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسراء:٦] لأن المسلمين في عام (١٩٤٨م) كانوا لا يهتمون بشيء اسمه تدين، أو رجعة إلى الحق أو غير ذلك.
.
{وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ} [الإسراء:٦] المدد يأتي دوماً من الخارج إلى الداخل، فالله أمد اليهود ويمدهم بأموال من روسيا، وأمريكا، وكندا، وألمانيا، والنمسا، ومن البنوك ومن تجار اليهود، وليس بمال بل بأموال متنوعة مختلفة.
{وَبَنِينَ} [الإسراء:٦] قبل أيام أُعلن في الأخبار أن (١٣٠٠٠) مستوطن جدد جاءوا إلى إسرائيل، بالرغم من أن المستوطنين يعلمون أن هناك حرباً ضروساً وقوية إلا أنهم جاءوا للمساهمة في هذه الحرب، وهؤلاء هم البنون.
{وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء:٦] وأنا لن أجيب على هذا التساؤل؛ لأنه سياسي حساس، لكن سأضع خطوطاً صغيرة، وهناك خط أحمر لن أتجاوزه.
كم عدد جيوش العالم الإسلامي، ودباباتهم، وطائراتهم، ومدافعهم، وصواريخهم، في مقابل جيش اليهود؟ لو أن العالم الإسلامي كما يذكر أحد العلماء -من باب الطرافة- جمع علب البيبسي التي هي صنعة يهودية لمدة عام كامل ورمى بها دولة إسرائيل لأغرقها بهذه العلب، ومات أهلها اختناقاً.
إذاً: هناك قدرات وقوة عند المسلمين لكنها معطلة، فهم غثاء كغثاء السيل.
فاليهود الآن يسيطرون على مقدرات كثير من العالم الإسلامي، بل ويسيطرون على قيادات.
ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} [الإسراء:٧] نهاية المطاف بالنسبة لهؤلاء القوم {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} [الإسراء:٧] الآن اليهود يخططون لهدم المسجد الأقصى.
لكي يقيموا عليه المعبد الذي يسمى بهيكل سليمان، وقد جهزوا مخططات لهذا الهيكل وأعدوها، وأعدوا كل شيء حتى المحراب، وحتى الثريات واللمبات، والأدوات والأجهزة وغير ذلك.
ولكن الآية تقول لنا: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} [الإسراء:٧] فهذا فيه معنى، ولعل هذا المعنى يدلنا على أن اليهود لن يستطيعوا هدم المسجد الأقصى، وبالتالي سيبقى هذا المسجد إلى أن يدخله أهل الإسلام؛ وهذا يجرنا إلى نقطة مهمة كثيراً ما يغفل الناس عنها، وهي أن اليهود يلبسون على المسلمين في الخلط بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، فيجعلون قبة الصخرة هي المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى يغفل الذكر عنه، وهذا الأمر ينبغي أن ننتبه له ونلحظه، فانتبهوا لهذا، وفرقوا بين المسجد وبين قبة الصخرة.