[اليهود العدو الدائم]
عندما تأخذ القرآن الكريم وتبدأ في إخراج الآيات التي تتحدث عن الديانات المختلفة ستجد أن هناك أمراً غريباً! لو أخذت مثلاً اليهود، النصارى، المجوس، الوثنية، الصابئة، ثم أخذت كل ديانة ووضعت تحتها الآيات التي تتعلق بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ثم جئت في النهاية إلى عمل إحصائية، فاليهود عددهم الآن عشرون مليوناً، والنصارى ملياران، فالآيات التي تتحدث عن النصارى تتناسب مع عددهم، لكن سترى هناك مفارقة عجيبة، فاليهود على قلتهم إلا أن الآيات التي تتحدث عنهم كثيرة جداً، وغير متخيل عددها بالنسبة للآيات التي تتحدث عن النصارى، ما هو السبب؟ السبب هو عنوان هذه المحاضرة.
السبب: أن الله جعل اليهود هم عدونا الدائم إلى قبيل قيام الساعة.
ولذلك تجد أن الصراع بين الأمة المسلمة واليهود متواصل مستمر منذ بعثته عليه الصلاة والسلام إلى نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان، ولم ينقطع لحظة، ولم يتوقف دقيقة بأي صورة من الصور.
إذاً: هم العدو الدائم والمستمر.
فجميع الأعداء يكون هناك شد وجذب وتوقف معهم إلا اليهود؛ لأن العدو الدائم يبقى على عداوته، لكن العدو المتقطع قد يرجع إليك فيعرف أن الحق معك فينضم إليك، فكم من نصراني أسلم؟ وكم من يهودي أسلم؟ لا تستطيع أن تقارن.
تجد أن النصارى يسلمون بالملايين، لكن اليهود ليسوا كذلك؛ فلكون العداوة دائمة هنا ركز القرآن عليهم وحذر منهم ونتيجة لذلك فمنذ هاجر المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وإذا به يكبّل اليهود بالعهود وبالمواثيق فعقد عهداً مع بني قريظة، وعهداً مع بني قينقاع، وعهداً مع بني النضير؛ حتى لا يخونوا؛ لأن من طبعهم الخيانة، فالذين قتلوا الأنبياء وكذّبوهم وسخروا منهم واستهزئوا بهم ليس هناك أي رادع ومانع من أن ينقلبوا على رجل ليس منهم بل هو من قبيلة مختلفة عنهم.
ولو نظرنا مثلاً إلى نقضهم لعهودهم: فبنو قينقاع نقضوا العهد، حيث ذهبت امرأة مسلمة متحجبة إلى صائغ في سوق بني قينقاع، فقال لها الصائغ: اكشفي عن وجهك، فرفضت، فأصر عليها أن تكشف ليرى وجهها فرفضت، فأشار إلى رجل آخر فقام الرجل من ورائها وهي جالسة فعقد طرف ردائها، أو ربما عباءتها في أعلاها، فعندما قامت انكشفت؛ لأن الثوب ارتفع فضحكوا عليها، فقام مسلم كان في السوق بعد أن صرخت وا إسلاماه وقتل اليهودي الفاعل، فقام اليهود وقتلوا المسلم، فعند ذلك نُقض العهد، وطُرد هؤلاء القوم.
بنو النضير كان هناك عهد وميثاق بينهم وبين المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو أن يكون هناك تعاون في دفع الديات، يعني: لو قُتل رجل معين قتله اليهود خطأً فالرسول يشاركهم في الدية، ولو قتل المسلمون رجلاً من نفس القبيلة خطأً فاليهود يشاركونهم في الدية، فعندما قتل عمرو بن أمية الضمري رجلاً من بني عامر ممن يدخل في هذا الحلف وهذا التعاهد ذهب الرسول لبني النضير وطلب منهم المشاركة في دفع الدية، فقالوا هذا أفضل وقت لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، من يقوم على هذا الحصن ويُلقي رحى على هذا الرجل -أي: الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو جالس؟ فقام عمرو بن جحاف النضري وحاول أن يفعلها، ولكن الله فضحه، فكان نقضاً للعهد والميثاق، فدمِّرت ديارهم وأجلاهم المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وبنو قريظة خانوا العهد والميثاق وأعانوا المشركين فكانت النتيجة قتل سبعمائة رجل منهم صبراً في الأخاديد، ولذلك فاليهود الآن عندما يأخذهم الحماس يصيحون منادين بثارات بني قريظة، يريدون أن يثأروا لهؤلاء الذين قتلوا.
وأحب أن أشير إلى نقطة أخيرة في هذا المقام فقط من مواقفهم: والآن في هذا الزمان الحرب قائمة بين المسلمين في مناطق متعددة وبين الأعداء، فمثلاً: في الشيشان هناك حرب قوية، ومتجددة وفيها أخبار سارة بشكل دائم ومستمر، طبعاً الحرب بيننا وبين الروس، وبين النصارى الأرثوذكس، لكن الذي يخفى هنا أن كثيراً من الغنائم التي يحصل عليها المجاهدون ويفحصونها يجدون فيها أسلحة إسرائيلية يهودية معونة من اليهود لدولة عظمى؛ لأن ملة الكفر واحدة، في أندونيسيا على بعدها لوحظ أن الذين يقاتلون المسلمين من المنظمات النصرانية يقاتلونهم بأسلحة يهودية.
إذاً: فهم عدو دائم؛ ولذلك عندما نقول: العدو الدائم، نقصد بذلك العدو المستمر الذي لم تنقطع عداوته أبداً، طبعاً إذا قلنا: العدو الدائم، لا يذهب ذهنك إلى العداوة الحربية العسكرية، فهذه دائرة من الدوائر، لكن هناك دوائر أخرى، هناك الدائرة الإعلامية، هناك الدائرة الاقتصادية، هناك الدائرة السياسية، فالإعلام يتحكم فيه هؤلاء، وكالات الأنباء يتحكم فيها هؤلاء، العديد والعديد من المحطات الفضائية الضخمة يتحكم فيها هؤلاء، الآلة الإعلامية الضخمة في أمريكا وأوروبا يتحكم فيها هؤلاء، البنوك الاقتصادية الضخمة يتحكم فيها هؤلاء.
إذاً: تجد أن عداوتهم المستمرة الدائمة شاملة لكثير من المسائل، فإن حذرنا منهم فإن أثرهم لن ينطلي علينا، ولكن نحن -وللأسف الشديد- كالنعام إن صح وصف النعام بأنها تدس رأسها في التراب؛ وهذا كما يقال غير صحيح، لكن على اعتبار أنه صحيح فإننا كالنعام فعلاً ندس دوماً رءوسنا في التراب، وينطلي علينا خداع هؤلاء، وبالتالي نجد أننا كثرة ولكننا كغثاء السيل، فنحن نعيش -وللأسف الشديد- في مرحلة الغثائية في هذا الزمان.