[السبب الرابع من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الارتباط بالصالحين]
الارتباط بالصالحين سبب مهم جداً؛ ليسير الإنسان في طريق صحيح، ويختم له بخاتمة حسنة، لأن الإنسان عندما يساير الصالحين ويحب الصالحين ويعيش مع الصالحين، ويسايرهم في تنقلاتهم وتحركاتهم وأعمالهم وتصرفاتهم، يسير معهم على الهدى وطريق الحق، ويكون مثلهم، هذا هو الأصل في هذه القضية.
ولعل هناك قصة تحضرني حول هذا الجانب، وهي من القصص اللطيفة المعاصرة فيما يتعلق بالارتباط بالصالحين وآثار ذلك على النفس والأسرة، وهذه القصة هي: كان هناك مدرس مرحلة ابتدائية، يقول: ونحن مجموعة في أحد المجالس، فحدث موقف غريب.
يقول: بجانب المدرسة التي كنت أدرس فيها قصر ضخم جداً، وكان هذا القصر الضخم العالي الأسوار مجهول الهوية، لكبره واتساعه، يقول: كان هذا القصر يسكنه أحد الأشخاص، وكان لا يصلي ولا يعرف من الإسلام إلا الاسم فقط، كان يسكن القصر هو وزوجته وأبناؤه الصغار الذين لا تكليف عليهم، فبلغ أحد الأبناء سن الدراسة، فبدأ هذا الأب يتردد ويحتار، هل يا ترى يدخل هذا الابن في المدرسة الحكومية الملاصقة لبيته، المدرسة التي تمتاز بسوء البنيان وبضعف الخدمات، أم يذهب به إلى مدرسة أهلية من أفخم المدارس وأجمل المدارس، المال لا قيمة له عنده، لكنه بدأ يفكر، المدارس الأهلية تحمل الغث والسمين، والغث هو الغالب، أما هذه المدرسة الحكومية فقد لاحظ عليها ملاحظات جميلة، ففيها نشاط جميل، والأساتذة الذين يدخلون ويخرجون كان يلحظهم كلهم من الصالحين، وكان يسمع إذاعة المدرسة في الصباح، ويسمع البرامج التي يربى عليها النشء، وأخيراً عقد العزم على إدخال ابنه هذه المدرسة، فدخل هذا الابن إلى هذه المدرسة في الأسبوع الأول.
يقول المدرس: كان الطفل يخرج في الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف، وفي الأسبوع الثاني، بدأ يمكث معنا حتى صلاة الظهر، لم يكن يعرف كيف يصلي، وكان لا يعرف الركوع ولا السجود، فأخذته جانباً وطلبت منه أن يبين لي لماذا لا تعرف الصلاة؟ قال: لم أذهب إلى مسجد قط، أبداً؟ قلت له: ألم يكن والدك يصلي؟ قال: أبداً، يقول: فعقدت العزم على أن أركز على هذا الشاب لعل الله سبحانه وتعالى أن يجعله سبباً لهداية أسرته.
وفعلاً بدأ هذا المدرس يربيه شيئاً فشيئاً، وأحب هذا الطفل المدرس، وبدأ يحافظ على الصلاة في المسجد القريب الظهر والعصر في المدرسة، والمغرب والعشاء في المسجد، لكن بقيت صلاة الفجر، كيف يصلي الفجر يا ترى وهو لا يوقظ من أحد؛ ولا يستيقظ إلا إذا أوقظ في الساعة السابعة، فقرر قراراً -وقد كان طفلاً ذكياً- فطلب من والده أن يوقظه لصلاة الفجر، قال له والده: إنك صغير على الصلاة فأصر الطفل، ثم لم يوقظ وفي اليوم الثاني هدد أباه بأنه إذا لم يوقظه لصلاة الفجر فإنه لن يدرس، وفي اليوم التالي لم يوقظه أبوه إلا قبيل الذهاب إلى المدرسة بقليل، فبدأ يبكي بشدة، فلم يدرس باعتبار أنه طفل مدلل، ولم يرغم على الدراسة وترك في البيت، وفي اليوم الثاني نفذ التهديد وترك الدراسة، وفي اليوم الثالث أوقظه الوالد وذهب به إلى المسجد بالسيارة، فدخل الطفل المسجد وصلى، أما الأب وللأسف فكان في السيارة ينتظر، تكررت العملية مرة أو مرتين أو ثلاثاً، وفي اليوم الرابع لم يستيقظ، فغاب عن المدرسة وكانت القضية واحدة بواحدة، إن أيقظتني للصلاة درست وإلا فلا، كان الأب في فترة المكوث جانب المسجد يفكر: وهل من المعقول أن يكون هذا الطفل الساذج الصغير أفهم مني وأعقل مني وأحسن إدراكاً مني؟ وكانت الخواطر تأتيه واحدة تلو الأخرى، وأخيراً عرف أنه كان على طريق خاطئ، وعلى ضلال، فهداه الله سبحانه وتعالى، واهتدت الأسرة بكاملها، بفعل هذا التصرف من المدرس.
إذاً: هذا الأب عندما قرر أن يجعل ابنه في مدرسة فيها مدرسون صالحون، كان هذا سبيلاً لهدايته إلى الحق، فلعل الحكاية الطريفة حول هذا الطفل لم تنته، وهو لا زال في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي الآن، يقول المدرس: في يوم من الأيام أخرجت الطلاب الذين لم يؤدوا الواجب، فضربتهم، وبقي هذا الطفل وكان معهم فطلبت منه أن يفتح يده لأضربه باعتبار أنه يستحق العقاب؛ لعدم أدائه واجب المادة، فقال الطفل: يا أستاذ لا تستطيع أن تضربني، لقد كانت كلمة هائلة من طفل صغير، قلت: لماذا؟! قال: لأني صليت الفجر في جماعة، وإمام المسجد الذي أصلي فيه حدثنا بعد العصر وقال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي)، وأنا في ذمة الله، فلا تستطيع أن تضربني.
كان عملاً ذكياً وقولاً صادقاً في نفس الوقت، وهو يدل على ذكاء عجيب.
وهذا الطفل الآن في السنة الدراسية الثالثة أو الرابعة وهو من أذكى أطفال هذه المدرسة.