موقف ثالث: هذا شاب نشأ في هداية وفي طاعة، ولكن أهل الضلال وأهل الباطل -وما أكثرهم! وما أكثر ما يخططون، وما أكثر ما يعملون، وما أكثر ما يبذلون- نجحوا في استمالته إليهم، فمال معهم وازداد ميلاً، فانحرفت أعماله، بل وانحرف فكره، وكان له أخ صغير بدأ يبذل الوسع لعل الله سبحانه وتعالى أن يعيد هذا الأخ إلى جادة الحق وطريق الصواب، ولكن هيهات هيهات:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص:٥٦].
مرض هذا الشاب المنحرف، ورقد في المستشفى فترة معينة ثم أعيد إلى منزله، مكث في المنزل فترة، وفي ليلة ما كان المرض قد ازداد عليه واشتد، وتحلق حوله والداه وإخوته، وطلب من أخيه الصغير في لحظة من اللحظات المصحف، فرح هذا الأخ الأصغر فرحاً شديداً بهذا الطلب، لعل هذا هو الطريق الذي ينقذ أخي، فركض الأخ الصغير بسرعة وبحث عن أقرب مصحف فجاء به وهو مستبشر وهو مسرور وهو فرح وهو يبتسم، وأعطاه لأخيه، فأخذه بين يديه يقلبه يمنة ويسرة، ثم رفعه ودار به بيده على أهله الذين يتحلقون من حوله، وقال لهم: أشهدكم يا أهلي أني كافر بهذا، ثم أغمض عينيه ومات! إذاً: لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة حددت النهاية، وبينت المصير لهذا الشاب.