[مأساة أسرة]
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
قبل أن أبدا في عرض القصص التي ينبغي ألا تنسى فإن الشباب الصالح الذين يتلون آيات القرآن يجدون فيه قصصاً هي التي ينبغي ألا تنسى، بل ولن تنسى باعتبار أنها في كتاب الله، والله قد حفظ هذا الكتاب عن أن يتعرض لتحريف أو تأويل أو تغيير، من هذه القصص قصة يوسف مع إخوته ومع والده، فهذه القصة لو تمعن في دراستها الآباء لعرفوا أن فيها من العبر ومن الأساليب التربوية الشيء العظيم.
فهذا يعقوب عليه السلام ذلكم النبي الصالح فضل أحد أبنائه على البقية، وقد كانوا في سن لا تجعلهم يحكمون على الأمور بمنظار عقلي بل بمنظار عاطفي، فترتب على ذلك أنهم قرروا أن يستأثروا بوالدهم الذي صرف الحنان والمحبة والرعاية ليوسف وأخيه بنيامين، فقالوا: لا بد أن نقتل هذا الابن؛ حتى نستحوذ على والدنا.
فتلك الآيات تعطيك أيها الوالد الكريم عبرة ودرساً، وتعطيك قصة لا تنسى: وهي أن الأبناء ينبغي أن يكونوا في مرتبة واحدة، حتى لو كنت تفضل البعض، أو تحب البعض، أو تقدر البعض قدراً زائداً على غيرهم، أو تقدر البعض وتكره الآخرين، فإنه ينبغي عليك أن لا تظهر ذلك أمام الجميع، فلا تظهر هذه المحبة فيحسد الأبناء المفضولون إخوتهم الذين فضلتهم عليهم ويكرهونهم، وقد يكيدون لهم كما فعل إخوة يوسف مع يوسف عليه السلام، فنصيحتي للآباء أن يقرءوا هذه السورة، وأن يتمعنوا فيها، وأن يأخذوا المناهج التربوية العجيبة من هذه السورة.
خرج رجل صالح من بيته متجهاً إلى متجره بعد أن اشترى قليلاً من الخبز الجاف الذي حصل عليه بصعوبة ووضعه في بيته لأولاده، وأوصى زوجته بأن تهتم بهم، خرج إلى متجره الذي يسمى متجراً وهو في الحقيقة لا يحتوي إلا على شيء قليل جداً من البضاعة، وكان متعباً نحيلاً هزيلاً، فقد أنهكه الجوع فهو لا يستطيع أن يحصل على لقمة العيش التي تكفيه ومن يعول، والمادة ليست بموجودة، والغذاء لا يباع في الأسواق، فهو يريد أن يبيع ولو شيئاً قليلاً ليشتري ما يسد رمقه فحسب، هو لا يريد أن يتفنن في الطعام، ولا يريد أن يتففن في الشراب، وغاية ما يريده خبزاً جافاً فقط، فتح الرجل متجره بعد أن استعان بالله تعالى، وبقي فيه يرقب الغادي والرائح ويتمنى أن يطل عليه أحد العملاء ليشتري منه ولو شيئاً قليلاً.
وفجأة! تقف سيارة على باب لمتجر، إنها مليئة بالجند، إنها سيارة الشرطة؟! تقف متجهة إليه، إنه لم يبلغ بعد سن الكهولة بل لا زال فيه روح الشباب، فنزل بعض الجند واتجهوا نحوه ثم سحبوه بكل قوة وأركبوه في السيارة، ثم ذهبوا به ولكن إلى أين يا ترى؟ لقد أخذوه إلى منطقة قريبة وأخذوا صندوقاً من الرصاص كبير الحجم، ثقيل الحمل، ثم قالوا له: احمل هذا على ظهرك واذهب به من المكان الفلاني إلى المكان الآخر! فتلكأ وتردد؛ لأن هذا الصندوق لثقله لا يطيقه ثلاثة أو أربعة فكيف بواحد؟ وعندما أبدى الرفض توالت عليه الصفعات واللكمات والضربات، فاستعان بالله وحمل الصندوق ومشى به ثلاثة أو أربعة أمتار ثم سقط؛ فهو لا يستطيع فعلاً أن يحمل هذا الصندوق، وعندما رأوه بهذه الصورة ضربوه فتحامل على نفسه وحمله مترين أو ثلاثة إلا أنه سقط مغمىً عليه من شدة الإعياء، وعندما رأوه بهذه الكيفية أخذوه وذهبوا به إلى جذع شجرة قريبة منهم، ثم ربطوه وأوثقوه في هذه الشجرة وسمروا يديه في الشجرة، ثم بدءوا يضحكون عليه ويتلاعبون به، فبدءوا ينتفون شعره بأيديهم، ويخلعون أضافره بزراديات كانت معهم، ثم بعد ذلك خلعوا ثيابه وقطعوا مذاكيره ثم أدخلوها في فمه، ثم أخذوا حربة وضربوه بصدره، فارتفعت روحه إلى بارئها، كانوا يضحكون جذلين من هذا المشهد! وبعد أن انتهوا من فعلتهم الشنيعة ذهبوا إلى حال سبيلهم بعد أن أخذوا هذا الصندوق معهم.
فوجد الناس جثة الرجل المسكين وبدءوا يحدثون بما حصل له، فسمعت زوج هذا الرجل المدعوة زهرة بما حصل لزوجها من قبل الجيران؛ لأن الحادثة كانت قريبة من قريتهم، فذهبت مسرعة بكل قوة إلى مكان الحادث، وحدثت الفاجعة فما أن وصلت الشجرة حتى رأت مشهداً مخيفاً مرعباً هائلاً لا يمكن أن يصدق، حاولت أن تنزله من على الشجرة لكنها لم تستطع، فقد كانت ضعيفة هزيلة فهي لم تأكل شيئاً منذ مدة من الأيام، فعادت مسرعة تستنجد برجالات القرية لعلها تجد أحداً يساهم معها في إنزال زوجها من الشجرة، وقبل أن تصل إلى البيت إذا بسيارة شرطة أخرى فيها مجموعة من الجند ينظرون إليها، وعندما أدركت ذلك اتجهت مسرعة إلى بيتها، وقبل أن تتوارى ناداها أحدهم وهو شاخص إليها ينظر إليها: إنها جميلة وفيها مسحة من جمال، فطلبوا منها أن تأتي معهم، فصرخت واستغاثت ورفضت، لكنهم جروها بشعرها بكل قوة حتى أركبوها في السيارة، ثم ذهبوا بها إلى معسكرهم، وهناك سألوها مع من تسكنين؟ قالت: في بيتي مع زوجي الذي قتلتموه، ومع أولادي الخمسة، ومع أختي، ومع أخي.
فسألوها: أين أخوك؟ فأجابت لقد سافر وهرب، فما كان منهم إلا أن رجعوا إلى البيت وهي معهم فأخذوا يبحثون في البيت فلم يجدوا إلا الأطفال، وفجأة وقعت أعينهم على بنت في الثانية عشرة من عمرها، فسحبوها معهم واتجهوا بها إلى المعسكر! ثم بدءوا يتوالون عليها اغتصاباً شرساً بكل قبح وجنون، وبكل شراسة وحماقة، وحينها لم تتحمل البنت الصغيرة هذه المشاهد المريعة المخيفة! ومن جراء هول ما يحصل لها أسلمت الروح إلى باريها، وليست الكبيرة بأحسن حال منها فهي الأخرى تكاد أن تسلم الروح إلى باريها، فلما رأوا ذلك تركوها، فرجعت إلى بيتها وقد أسدل الليل ستاره على هذه القرية الحزينة البائسة، فنظرت إلى البيت ونظرت إلى أولادها الذين يكادون يموتون من الروع من الخوف من الجوع، يا إلهي! ماذا تفعل: تنادي! تصرخ! لا مجيب، نظرت فإذا رجل يتسلل في جنح الظلام حتى دخل البيت مسرعاً وأخذ يهمس في أذنها: زهرة زهرة زهرة انتبهي إلي إنني أخوك، فانتبهت إليه فإذا هو أخوها، فضمته وهي تبكي وتصرخ: لقد قتلوا زوجي، لقد قتلوا أختي، لقد كادوا أن يقتلوني، فقال لها: هيا خذي ما خف حمله وغلا ثمنه نريد أن نهرب، إنهم سيقتلوننا إذا جاء الصباح، فأخذها هي وأولادها وانطلقوا مسرعين يمشون الليل مع النهار وبعد ثلاثة أيام من الإعياء والتعب والمشقة اجتازوا الحدود ووصلوا إلى منطقة آمنة، فألقوا أجسادهم مباشرة على الأرض الجرداء نياماً لا يريدون شيئاً إلا الراحة، وعندما استيقظوا من نومهم ورأوا أنهم قد أمنوا من مكر هؤلاء بدءوا يقصون على الآخرين ماذا جرى لهم.
أتدرون هذه الحادثة لمن حصلت؟ ومن هي هذه المرأة؟ ومن هو هذا الرجل؟ وأين حصلت هذه الحادثة؟ ومتى حصلت هذه الحادثة؟ إنها حادثة من عشرات بل مئات بل آلاف الحوادث التي تتكرر يومياً في منطقة من مناطق العالم الإسلامي، إنها منطقة بورما التي تحاذي بنجلادش، حيث يقوم فيها البوذيون بحملة شرسة هائلة مخيفة لطرد ستة ملايين مسلم من هذه البلاد، فهم لا يريدون مسلماً واحداً يبقى فيها على الرغم من أنها منطقتهم وبلادهم! فقد عاشوا فيها منذ عشرات القرون، فقد دخلها الإسلام في القرن الثاني الهجري ونحن اليوم في القرن الخامس عشر، فهي منذ ثلاثة عشر قرناً أرض إسلامية، فالإسلام فيها ينتشر ويزداد لكن هؤلاء المسلمين لا بواكي لهم، فلا أحد يلقي لهم بالاً أو يعطف عليهم من أمة الإسلام، فما كان من الشعب البوذي المجرم إلا أن قام بعملية مسخ واستئصال هذا الشعب المسلم في منطقة آراكان التي هي جزء من منطقة بورما، والتي كانت بلداً إسلامياً سيكون في طي النسيان، وإذا استمر هذا الحال فسيكون بلداً بوذياً بعد فترة يسيرة؛ لأن الحملة الشرسة مستمرة.
والمشهد السالف الذكر يتكرر دوماً، فاللاجئون في بنغلادش يزداد عددهم كما ذكرت الأخبار، فقد يصل عددهم إلى ألف لاجئ في اليوم، وهذا رقم هائل، وأما الذين لا يصلون والذين يموتون من الجوع والقهر والتعب فيتجاوزون الألفين يومياً.
وأما الذين يقتلون فلا أحد من البشر يستطيع أن يحصي عددهم، إنها مأساة عجيبة رهيبة هائلة من يستطيع أن يتصورها؟ لا يتصورها الذين انطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
إن الشعب المسلم في جميع أرجاء الأرض لا هم له إلا كيف يأكل، وكيف يشرب، وكيف ينام، وكيف يقوم، وأما أن يفكر في أمته وما يحل بها من الويلات! وأما أن يتذكر ويتابع ويدعو فلا.
ومن العجب أن هذه القصص المتكررة المتوالية ليس لها ذكر في جرائدنا أو مجلاتنا التي تصدر في عالمنا الإسلامي! بل إنها تذكر في مجلات الغرب وجرائدهم، فهذه القصة موجودة في مجلة الصنداي تايمز التي تصدر في بريطانيا، ولنا أن نسأل لما يا ترى لا يذكرون شيئاً عنهم؟