[قصة طالب صغير ملتزم أثر في أسرته ومجتمعه]
الموقف الآخر: مرة من المرات جاء أحد الطلاب وهو طالب في المرحلة الثانوية يشتكي وضعه، يقول: لنا مجال خصب للاجتماع الأسري، نجتمع كل أسبوع، تلتقي الأسرة شيبها وشبابها، كبارها وصغارها، ولكن هذا اللقاء لقاء يغلب عليه طابع الفساد، الكبار متقوقعون مع بعضهم في كلامهم العادي، وفي سواليفهم المكررة ونقاشهم المعروف، والشباب إما عند الدش أو الفيديو أو لعب الورق أو غير ذلك.
يقول: أنا أحترق من داخلي أريد أن أؤثر، أريد أن أبني، أريد أن أفعل، ولكنني وللأسف الشديد أتميز بميزة، هذه الميزة أنني صغير، فإذا دخلت المجلس فإن مكاني عند النعال، أي: بجانب الباب، لا أستطيع أن أجلس في وسط المجلس فأؤثر، لم؟ لصغر سني، يقول: أنا أعيش في سن الثامنة عشرة أو السابعة عشرة، أريد أن أؤثر، أريد أن أبني، أريد أن أعلم، أريد أن يكون لي دور، أنا أحترق من داخلي، أنا لدي إحساس وشعور، لدي اندفاع وحيوية ولكن لا أعرف ما الطريق؟ يقول: فالذي حصل أن أحد الإخوة أشار علي بمجموعة استشارات، يقول: طبقتها فرأيت ثماراً عجيبة، قال لي: في ظرف أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، أريد أن تحصي كل ما يلقى في مجلس الأسرة، وفعلاً بدأت أجلس وأتابع كلام هؤلاء الكبار، يقول: وإذا بهذا الرجل يناقض قضية (الوسم)، دخل (الوسم)، طلع (الوسم)، دخل سهيل، طلع سهيل، دخل كذا، طلع كذا، وإذا مرة أخرى يناقشون قضية النخيل وما النخيل، وماذا يحصل للنخيل؟ وأنواعها وهيئاتها وأشكالها وأفضلها.
ومرة ثالثة: يناقشون قضايا الزواج وما يتعلق بها، ورابعة: يناقشون قضايا متعلقة بالحروب القبلية القريبة، ويتعرضون لها ولسيرها، وخامسة وسادسة وسابعة، يقول: وبدأت أسجل وأسجل وأسجل، ثم ذهبت إلى مستشاري وعرضت عليه القضية، فقال لي: أريد منك أن تتبحر في كل هذه القضايا، كيف أتبحر؟ أنا صغير! صحيح أنني ذكي، صحيح أنني حريص، صحيح أن لدي حافظة قوية، ولكني لا زلت صغيراً، قال: لا، الصغير هو الذي يتميز في هذا المقام، اذهب إلى مكان كذا، واحفظ كذا واذهب إلى فلان من الناس فتتلمذ عليه في كذا، يقول: وفعلاً بدأت أتبحر وأتبحر وشيئاً فشيئاً، وإذا بي موسوعة علمية في هذه المجالات التي يطرقها كبار السن.
يقول: وفي اللحظة الحاسمة أردت أن ألقي بسهامي، أعددت العدة، وعندما جلس هؤلاء الكبار، وقال أحدهم: سيدخل (الوسم) بعد أربعة أيام، قال الثاني: لا، بعد ستة أيام، قال الثالث: لا، بعد ثمانية أيام أو سبعة أيام، قلت: لا، سيدخل الوسم بعد أربعة أيام وثلاث ساعات وخمسة عشر دقيقة وأربع ثوان، قال أحدهم: بسم الله الرحمن الرحيم، ما هذا الكلام؟ كلام غريب، بهذه الدقة العجيبة أثارهم، طبعاً ابتسموا، ضحكوا، سخروا، لكن ماذا قال هذا الفتى؟ عقب وقال: إن العجيري قال: كذا وكذا في موسوعته، وابن بسام قال: كذا وكذا، والمسند قال: كذا وكذا، وبدأ يأتيهم بالحقائق تباعاً واحدةً تلو الأخرى، وفعلاً شدهم في اللقاء الأول، والثاني والثالث، يقول بعد ذلك: وجدوا عندي شيئاً يهمهم، وجدوا كلاماً جديداً ومعلومات متجددة؛ لأنهم كانوا يرددون القصص دائماً، فيقول: بعد ذلك صار أحدهم إذا اتصل بأبي يذكره بموعد اللقاء، ويقول: ولا تنس أن تحضر معك محمداً، يقول: صار لي وزن، والوزن هذا ليس هو الهدف لكنه وسيلة إلى الهدف.
يقول: وفي أحد الأيام عندما اجتمعنا، قلت لهم: ما رأيكم أنا سأحضر لكم أحد المتخصصين في علم الفلك، سيعرض لنا شيئاً جديداً عن الفلك والنجوم بالصور وبالفيديو وإلى آخره، قالوا: جيد، يقول: فاتفقت مع أحد الدكاترة، وجاء إلينا ومعه جهاز فيديو، ومعه شاشة ضخمة كبيرة لا يستطيع أن يحملها إلا أربعة أشخاص، ومعه صور وخرائط وأطفأ الأنوار، وبدأ يعرض: وهذا نجم كذا، وهذا نجم كذا، والنجم هذا يسمى كذا، إلى آخره من المعلومات، عندما انتهوا وذهب الدكتور إلى حال سبيله، يقول: شد الجميع على يدي، قالوا: هذا الذي نريد، نريد منك أن تأتينا بهذه المعلومات دوماً.
يقول: بعدها بفترة جئت لهم بأحد الأشخاص الذين تخصصوا في الحيات وفي العقارب وفي الأشياء السامة، وكانت عنده عدد من الصور والأفلام، بل والأشياء الحية التي يحفظها في صناديق، فجئت به إلى هذا المكان، أو إلى استراحة كنا نجتمع فيها، وعندما رأوا الحيات والعقارب تهولوا، وكل يشير: هذه الحية التي لدغت أمي، وهذه العقرب شبيهة بالتي لدغت أبي.
وهكذا يقول: صار لي وزن وصارت لي أهمية، فاستطعت بعد ذلك أن أجذب الشباب قبل المشيب، وأن أكون محبوباً من الصغار قبل الكبار، ثم بدأت أحرك المجلس: هذه مسابقة، وهذه كلمة، وهذه ندوة، وهذا درس، وهذه معلومة، وهذه كذا، وهذا توزيع شريط، وهذه وهذه، يقول: وفي نهاية المطاف ولله الحمد صارت أسرتنا الكبيرة أسرةً لا تعرف شيئاً اسمه اجتماع على فيديو أو على دش، أو على ورق أو على دخان أو حتى على كلام فارغ.
إنه رجل واحد، إنه شاب واحد، ولكنه أمة أمة، كيف أثر؟ وكيف بنى؟ التخطيط، التنظيم، الدقة، بل الحرص، فأنا أقول لكم هذا الموقف لتأخذوا منه الدرس والعبرة والسيرة والتجربة، وكل منكم أيها الأحبة الكرام! لديه هذه القدرات، كل منكم لديه هذه الإمكانات، ولكننا وللأسف الشديد قد أغلقنا هذه الإمكانات بحجب وحوافز أغلقناها بحيث إننا لم نستثمرها، وإلا لو استثمر كل منا ما لديه فإنه سينتج ويثمر، وأنتم أمام مجال خصب التجربة، فالله الله، اسعوا وجربوا وسترون صحة ما قلت لكم.