ما هي الهجمة الداخلية؟ هنا لعلي أقف وقفة، أقول: كثير منكم قد يتوقع أن هذه المحاضرة عندما يكون عنوانها دماء وأشلاء، أنني سأتحدث عن عدد القتلى وعدد الجرحى، وكم قتل في المعركة الفلانية، وكم قطعت من يد، وكم قطع من رأس، وكم قطعت من رجل، لكن هذا موضوع سطحي وقضية سطحية؛ لأننا نريد أن ندخل في العمق الذي يؤدي إلى هذا النتاج، فإذا عرفت أن هناك هجمة من قبل الأرثوذكس الصرب على المسلمين فتوقع أنه سيكون هناك دماء وأشلاء، وعندما تعرف أن هناك هجمة من قبل البوذيين على المسلمين في بورما، فاعلم أن هناك دماء وأشلاء، والدماء هنا تمثل القتلى، والأشلاء تمثل الجرحى أو تمثل -إن صح التعبير- الحقد على المسلمين عندما يمثلون بهم، ولعل بعضاً منكم شاهد بعض الصور أو الأفلام التي تنشر لمسلمين قتلوا في آشام أو في الهند أو في بورما أو في البوسنة أو غيرها، حتى إنني رأيت صورة لجثث هائلة من المسلمين على شكل جماعات، وتحمل بواسطة (الشيولات) وتوضع في (القلابات)، ورأيت من ضمن حركة هذا الشيول أنه عندما يحمل الجثث هذه يد تنقطع، وهذا رأس يسحق تحت الشيول، وهذا جسد ينفري، وبطن يخرج ما فيه، يعني: مناظر مؤذية للغاية، ولكن ليس الهدف عندما أذكر لكم ذلك أن أتحدث عن هذه النماذج أو النوعيات-أي: الدم وقطعة اللحم الفلانية أو الرأس أو اليد- لكن أذكر لكم الأصول، ولكم أن تتخيلوا فيما بعد ما هي نتائج هذه الأصول.
الهجمة الداخلية عن طريق أذناب الاستعمار وممثلي الاستعمار في العالم المعاصر فمثلاً: نجد أن النصيرية تفعل الأفاعيل، وهم الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية: النصيرية أكفر من اليهود ومن النصارى ومن كثير من المشركين، وهم يتحكمون الآن في جزء غال من بلادنا الإسلامية ويملكونه ويحكمونه، وقد قضوا على الدعوة فيه قضاء شبه كامل إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، وكان لهم مذابح هائلة جداً سواء كانت على مستوى المدن، أو على مستوى التجمعات أياً كانت، فلهم هجمة صاعقة وشنيعة تم فيها تدمير أكثر من عشرة آلاف مسلم على أقل التقديرات، وقيل: ثلاثين ألف مسلم على أكثر التقديرات في منطقة حماة، وفعلوا الأفاعيل في تدمر وفي بقية المدن والمناطق والمحافظات في تلكم البلاد التي يحكمونها.
كذلك البعثية العراقية بقيادة حزب البعث العراقي ماذا فعل بالمسلمين الأكراد؟ بل وماذا فعل بالدعاة إلى الله سبحانه وتعالى؟ كان همه الأول والأخير ألا يبقي داعية إلى دين الله سبحانه وتعالى في ذلكم البلد؛ ولذلك تجد أن أقل البلاد نشراً للدعوة الإسلامية العراق، لم؟ للهجمة الدموية الشرسة ضد الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في ذلكم البلد، وقد نهج الحزب البعثي الاشتراكي الذي يتزعمه حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة أحمد حسن البكر، ثم صدام حسين نهجوا منهج القضاء التام على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ومنهج، واستخدموا في ذلك وسائل كثيرة جداً لعل المقام لا يسمح لنا بذكرها.
كذلك الهجمة الداخلية التي تقوم بها العلمانية ممثلة في الزعامات في كثير من بلدان العالم الإسلامي، فهي تقوم بهجمة شرسة ضد الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، بدعوى مكافحة الإرهاب أو التطرف أو الأصولية أو غير ذلك وبدعم متواصل من الغرب، ويعطون هذه القضية الخطورة، وتكبيرها وتضخيمها بالوسائل التي يملكونها من إعلام متنوع، وكسب الرأي العام في صفهم، وهذا ما يحصل في كثير من الدول ولا داعي لذكر النماذج.
كذلك ما تقوم به الصوفية من هجمة قوية ضد المسلمين، وهي فرقة مغفول عنها، وليس هدفها الأول والأخير: هو التجمع أو مسبحة أو الأذكار، وهز الرءوس، لا، هؤلاء الصوفية من أخطر الناس على الأمة الإسلامية، وأقرأ لكم تصريحاً غريباً جداً ذكره أحد المعروفين الذين لا يمتون إلى الإسلام بصلة، وهو الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة يقول: إن سبب دخول فرنسا تونس كانت الصوفية، وذلك بأن هذه الطرق هي التي كانت تقاتل الفرنسيين، ثم نجح الفرنسيون في التفاهم مع شيخ الصوفية على أن يدخلوا البلاد، فلما أصبح الصباح قعد الشيخ مطرقاً برأسه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما سأله أتباعه عن الأمر الذي يقلقه، قال لهم: لقد رأيت الخضر وسيدي أبا العباس الشاذلي وهما قابضان بحصان جنرال فرنسا، ثم أوكلا الجنرال أمر تونس، يا جماعة! هذا أمر الله فما العمل؟ فقالوا له: إذا كان سيدنا أبو العباس راضياً ونحن نحارب في سبيله -ليس في سبيل الله- فلا داعي للحرب، ثم دخل الجيش الفرنسي تونس دون مقاومة.
ويقول كذلك في مكان آخر في مذكرات له: إنني اطلعت على الميزانية الفرنسية، فوجدت فيها مخصصات ضخمة للطرق الصوفية؛ لأنها تخدر أعصاب المسلمين عن الجهاد -يقول هذا الكلام قبل أن ينحرف- في أوائل زمنه.
ثم النقطة الأخيرة هنا: قضية المنافقين، وماذا يفعلون في الأمة الإسلامية من أفعال تؤدي في كثير من الأحيان إلى الانتشار أو ظهور الدماء والأشلاء، أو ذبح المسلمين في كثير من المناطق، فالمنافقون منذ ظهور الإسلام يسعون بجد واجتهاد في سبيل إضعاف المسلمين عن طريق نشر الحروب والمعارك فيما بينهم، والنماذج في هذا كثيرة جداً ولا يكاد يخلو بلد من هؤلاء المنافقين.