موقف سادس: ذكره الشيخ ابن القيم رحمه الله: أن رجلاً شاباً كان يقوم بمهمة الأذان في أحد المساجد، وكان يصعد المنارة في كل فرض لأداء الأذان، ولكنه لم يلتزم بالنهي الشديد فيما يرتبط بغض البصر، فكان يطلق لبصره العنان، يقلبه يمنة ويسره، وكانت المنارة تعلي البيوت، فنظر في لحظة من اللحظات إلى بيت، وإذا بفتاة جميلة في شكلها، ولم تكن متسترة باعتبار أنها في حرزها وفي بيتها ومأمنها، فأخذت بلبه وسلبت عقله، وأكمل الأذان بصعوبة، وعرف مكان البيت، ونزل مسرعاً متجهاً إلى البيت، وعرف أن هذا منزل رجل نصراني، فرجع إلى المسجد وأكمل الصلاة بصعوبة، ودخل بيته وتزين بأحسن الأزياء، ثم ذهب إلى هذا الرجل النصراني في منزله وطرق الباب واستأذن، ولم تكن هناك حشمة باعتبار أنهم لا يلقون بالاً للحشمة، ودخل فرأى البنت وإذا هي أجمل مما رآها من قبل، فطلب من صاحب البيت أن يتزوج من هذه البنت؛ لأنه علم أنها لم تكن متزوجة، فقال له صاحب البيت: لا نستطيع أن نزوجك باعتبار أنك لست على ديننا، فإذا كنت على ديننا فلا مانع من أن نعطيك ما تريد، فخرج وهناك صراع هائل رهيب بين العاطفة وبين العقل، صراع هائل يعيش في داخله، هل يا ترى يضحي بدينه في سبيل هذه الفتاة الجميلة، أم يصمد على دينه ويتمسك به ويفقد هذه الدرة التي لم يرَ أحسن منها؟ وفي النهاية تغلب الهوى وتغلبت النفس، فذهب إليهم وقال: ليس عندي مانع من الدخول في دينكم، وفي قرارة نفسه أنه سيعود إلى الإسلام بعد أن يظفر بها، قالوا له: لا، والله، إلا بعد أن نختبرك، بعد أن تعيش معنا فترة من الزمن.
ولعل تلك الفترة التي تحدث عنها ابن القيم كانت فترة ضعف للأمة الإسلامية، بحيث لم يكن هناك إمكانية لإقامة حد الردة على هذا المرتد فاتجه هذا الشخص معهم إلى كنائسهم وبدأ يرعى الخنازير ولبس الزنار، واستخدم كل العبادات التي يستخدمونها، وأكل مما يأكلون وشرب مما يشربون، وترك الدين جملة وتفصيلاً، وعندما وثقوا منه، قالوا له: إن موعد الزواج الليلة، فاتجه إلى منزله وبدأ يتجهز ويجهز ما استطاع تجهيزه، فصعد إلى سطح بيته وبدأ ينظم بعض الأشياء، وكان سطحاً خرباً، وكان الرجل قد تعب من التنظيم والترتيب فأرد أن يتكئ على الجدار قليلاً، فاتكأ على جدار مهترئ ضعيف البنية، وعندما اتكأ عليه سقط الجدار وسقط الرجل وكانت النهاية، فمات على دين النصرانية.
وكانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير وبينت النهاية لهذا الشاب.