[الطور الثالث مرحلة تلخيص الويدا]
بعد أن انتهت كتابة الويدا واكتملت تحددت الطبقات: طبقة البراهمة وطبقة الجند المحاربين وطبقة الزراع والتجار وطبقة المنبوذين.
والمنبوذون هم أهل الهند القدماء، وأعطي لكل طبقة عمل، فالبراهمة هؤلاء هم الكهنة الذين يقومون على المعابد ويأخذون القرابين والنذور، واستطاعوا بذلك أن يسيطروا على بقية الطبقات.
والطبقة التي تليها: طبقة الجند المحاربين، وهي من بين الطبقات التي تعد من الفرقة الآرية أو التجمع الآري، لكنها من قبائل ضعيفة أو موالية أو ممن أخذهم الآريون معهم عندما قدموا إلى الهند.
أما طبقة الزراع وطبقة المنبوذين فهم أهل الهند القدماء، فإذا رأوا رجلاً جيداً ونشيطاً وغير ذلك من الهنود القدماء، جعلوه في طبقة الزراع والتجار، وبقي البقية الباقية في طبقة المنبوذين.
هذه الطبقات عندما ظهرت وتأصلت في مرحلة تدوين الكتاب، بدأ بعض المنبوذين وبعض الزراع والتجار يملون، فحصل نوع من الثورة على الكتاب المقدس، وقد قادها مجموعة رجال من الزراع والتجار والمنبوذين، وذلك عندما أخذوا الكتاب المقدس غصباً؛ لأنه محرم عليهم أن يقرءوه أو يسمعوه، حيث إنه إذا ثبت أن أحد طبقة الشودر -وهي الطبقة المنبوذة- سمع عمداً كلاماً للويدا فقطعت أذناه، ومن تكلم به قراءة قطع لسانه، بسبب ذلك أخذوه ولخصوه وحذفوا منه كل ما يمت إلى الطبقية بصلة، وأخرجوه للناس ونشروه فضعفت الهندوسية.
إذاً: مرحلة تلخيص الويدا نستطيع أن نقول: إنها بداية مرحلة ضعف الهندوسية، فتأصل الضعف في المرحلة الثانية أو في العصر الثاني الذي هو عصر الضعف الهندوسي، وعصر الضعف الهندوسي هو عصر الإلحاد، وذلك بعد أن انتشرت هذه الكتابات التي لخصت كل ما يمت إلى الويدا بصلة، وحذفت منه كل ما فيه تمييز للطبقات، لا أقول الإلحاد الذي نعرفه نحن، إنما الإلحاد بالنسبة للهندوس، وهو أنه وجد أناس كفروا بالآلهة، ولم يعترفوا بالأصنام ولا بالأوثان، بل ولا يعترفون بوجود آلهة أو إله لهذا الكون، فهم كفروا بالطبقية ونبذوها، وأرادوا أن يثبتوا أنفسهم، فحطموا المعابد والأوثان، بل وقتلوا البراهمة الذين هم قمة المجتمع عندهم.
إذاً: هذا العصر ترتب عليه ضعف في النواحي العقائدية والنواحي السياسية، فصارت البلاد ضعيفة، وفي هذه الفترات الضعيفة وجد أناس مصلحون، رأوا الهندوسية على وشك الانهيار، فخرج رجل منهم بالمنهج البوذي، وخرج آخر بالمنهج الجيني، فالجينية والبوذية خرجت أثناء ذلك، فبرز المذهب البوذي وانضم له عدد كبير من الهندوس، وانضم عدد كبير آخر إلى المذهب الجيني.
أما العصر الذي يليه فهو العصر الويدي الثاني يأتي بعد عصر الضعف الهندوسي، وذلك بعد أن رأى كثير من البراهمة ما فعل هؤلاء الثوار في دياناتهم بدءوا يفكرون في إعادة الهندوسية إلى أصلها الأول، فتجمع عدد من البراهمة وأنزلوا أنفسهم إلى درجة عموم الشعب، وقالوا: لا نريد شيئاً اسمه طبقات، لكن الآلهة والأصنام والأرباب لا بد أن تستمر، فبدءوا قليلاً قليلاً يدخلون في هذا المجتمع إلى أن نتج عن ذلك أن الناس بدءوا يعودون إلى الهندوسية مرة أخرى، وأخرجوا شروحات للويدا فيها سهولة في التفسير، وابتعدوا عن مسألة القسوة فيما يرتبط بالتشريع ضد بعض الفرق والعنف وغير ذلك، فتقبل الناس هذه الهندوسية المعدلة أو المجددة، وهذا العصر بدأ قبل الميلاد بثلاثمائة سنة، أو بمائتين أو بمائة وخمسين سنة حسب الآراء، طبعاً ليس هناك تاريخ ثابت، لكنهم يقولون: إنه قبل الميلاد أو قريباً من الميلاد حدثت هذه الحركة، ويقولون في مقولة أخرى: إن هذا العصر الذي هو عصر النهضة الهندوسية بدأ بظهور المسيح، فعندما ظهر المسيح وبدأت النصرانية تنتشر في أصقاع الأرض، بدأ الهندوس يستفيدون من الديانة النصرانية ويضيفون على دياناتهم، فأعطوها نوعاً من التجديد ونوعا من التغيير فتقبلها الناس.
إذاً: العصر الويدي الثاني أو عصر النهضة كثير من العلماء يقولون: إنه لم يبدأ إلا بعد الميلاد بفترة يسيرة عندما تأثرت الهندوسية بكثير من القضايا النصرانية وخاصة التثليث، فعند الهنود كما سنعرف فيما بعد كثير من القضايا العقائدية التي تشابه تماماً ما عند النصارى، وهذا يؤكد هذا الرأي.