يحكى أنه كان هناك قائد طائرة من مصر، كان كثير الأسفار بحكم عمله وقيادته للطائرة المدنية، فكان ينزل في كل بلدة، وفي كل مدينة، وتعرفون أن حال هؤلاء ارتباط بمضيفة ونساء وفساد، وقد ضم هذا القائد إلى ما كان يقترف من هذه المفاسد، حباً شديداً للغناء والعزف، فكان يعزف جملة من الآلات الموسيقية، فإذا جاء إلى بلدة اجتمع مع شلة من أصحابه، فبدأ يحدثهم عن مغامراته ثم يبين لهم ماذا فعل في سهرته.
وبعد أن ينتهي يبدأ العزف والتصفيق والتصفير والغناء، وكان هناك صديق قريب له يأتي إليه فيسلم عليه، ولا يسأله إلا سؤالاً واحداً: من أين جئت؟ فيقول: من ألمانيا، من سويسرا، من اليابان، من الهند، من إندونيسيا، من كذا وكذا من الدول، ثم يقول له: كيف حال المسلمين في ذاك البلد؟ فيقول: بخير، إجابة عامة؛ لأنه لا يعرف أصلاً كيف حالهم، ولا يعلم ماذا يحصل لهم.
فكان يجيبه بهذه الإجابة المكررة الروتينية فجعل يتضايق منها.
فقال في يوم من الأيام: لماذا لا آتي بإجابة فيها بعض التفصيل، فدخل أحد المراكز الإسلامية، في إحدى الدول الأوروبية، وجمع بعض المعلومات، والتقى ببعض القائمين على المركز، وفرح بهذه المعلومات، ورأى على وجوههم البشر والصبر والطاعة، على الرغم من أنهم يعيشون في مجتمعات كافرة، إلا أن نور الطاعة يشع من وجوههم، يصابرون ويصبرون وينشرون الدعوة، بالرغم من المحاربة والجهد والجهاد الذي يبذلونه.
وبعد أن جمع المعلومات وجاء إلى مصر، جاءه السؤال الروتيني المعتاد: كيف حال المسلمين في ذاك البلد؟ فانبرى يجيب؛ لأن المعلومات توافرت: زرت المركز كذا، وعندي كذا من المعلومات، وعندي وعندي وعندي، ويتضايق هؤلاء من كذا, ويفرحون بكذا.
فقال له صديقه: ما رأيك أن تذهب إليهم وتزورهم بين فينة وأخرى، وتتكفل بمساعدتهم، أنا سأعطيك وسأساعدك، لماذا لا نتعاون في جمع كتب ومصاحف، ونجمع مالاً فندعمهم شيئاً فشيئاً، وهكذا استمر هذا الطيار في جمع المعلومات وإيصالها إلى قريبه فكانت ردة الفعل أن ساهما في إصلاح المركز ودفعه إلى الأمام وفي نهاية المطاف رأى الطيار أن حياته السابقة في التراب أو تحت التراب.
أما حياة قريبه المهتم بأمور المسلمين فكانت في الثريا في السماء، فرأى بوناً شاسعاً بين الحياتين، ورأى فرقاً شاسعاً بين المعيشتين، فقرر الانتقال إلى العلو وترك القاع، فترك كل اهتماماته السافلة التافهة، وبدأ يهتم بهذه المراكز الإسلامية وبالدعوة.
إذاً: هذه الصورة القديمة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه الصورة الحديثة حكاية هذا الطيار، تدعونا إلى التوقف مع الهم الذي تحمله أنت أيها المسلم.