[الكتب المقدسة عند الهندوس]
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: أول كتاب عند الهندوس هو الويدا وينطق أحياناً بالفيدا، بالفاء الفارسية التي عليها ثلاث نقاط.
وهذا الكتاب هو أبرز الكتب الهندوسية القديمة وأعظمها قداسة عندهم، فهم عندهم مجموعة كبيرة من الكتب المقدسة، لكن أبرزها وأعلاها هو هذا الكتاب، ومعنى هذه الكلمة باللغة السنسكريتية: الحكمة، أي: كتاب الحكمة، هم يسمونه بذلك ولكنه ليس كذلك، بل هو كتاب كفر وشرك.
هذا الكتاب أغلب ما فيه عبارة عن قصائد وأناشيد، وهذه القصائد والأناشيد تحتوي في كثير من الأحيان على أحكام الديانة الهندوسية.
بدأ الكتاب يبرز إلى حيز الوجود على شكل فقرات أو نقاط اعتباراً من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أي: اعتباراً من عام (١٥٠٠) قبل الميلاد، ثم تطور شيئاً فشيئاً.
وبعد أن اخترعوا الإله براهما في القرن الثامن قبل الميلاد، أرادوا أن يضفوا على هذا الكتاب صفة القدسية، فقالوا: إنه من نطق ومن كلام الإله براهما.
والعجب أن هذا الكتاب سبق وجود الإله؛ فبراهما لم يظهر إلا في القرن الثامن قبل الميلاد، والكتاب ظهر قبل براهما بسبعمائة سنة.
إذاً: معنى هذا أن الكتاب كان موجوداً قبل إلههم بسبعمائة سنة.
ثم من ضمن مزايا هذا الكتاب: أنه لا يحل لهندي أن يحمله ويقرأه إلا البرهمي فقط، أما الكاشتر وهو الجندي الذي يلي البرهمي في الدرجة فله أن يسمع فقط، وأما البقية فلا يجوز لهم أن يسمعوا ولا أن يقرءوا.
إذاً: هذا الكتاب محصور فقط في البراهمة، قالوا: إن السبب في ذلك أن الكتاب يمجد العرق الآري تمجيداً عجيباً، والعرق الآري مثلما عرفنا هو المسيطر فيما يرتبط بالهند، سواء في تجاراتها أو في حكمها إلى وقتنا هذا، فالعرق الآري لابد أن يمجد، وتمجيد العرق الآري لا يدخل فيه المنبوذون، ومن حولهم من الطبقات.
إذاً: يعطي هذا الكتاب العرق الآري درجة قوية من الرفعة، وبالتالي لهم أن يقرءوا في سيرتهم وفي تاريخهم وفي أخلاقهم، أما غيرهم من الطبقات فليس لهم دخل في ذلك.
كذلك من ضمن محتويات هذا الكتاب مجموعة كبيرة من الابتهالات والتضرعات والأدعية لعدد كبير من الأصنام، فتجد أحدهم إذا أراد المطر يدعو إله المطر بدعاء معين، وإذا أراد أن يدعو إله النار يدعو بدعاء معين، ولكل إله دعاء ويدعو إلى كذا هذا الدعاء، وهكذا، فيدعون بأدعية مختلفة لكل صنم من الأصنام.
وطبعاً هذا الكتاب له شروح متعددة وكثيرة جداً، كالتفاسير عندنا التي تفسر القرآن الكريم، فهم أخذوا كتاب الويدا هذا وشرحوه بشروح مختلفة، وكل شرح امتاز بمزايا في الطول أو القصر وفي التوسع في نقاط معينة وفي التركيز على قضايا معينة، وأنا معي في الحقيقة مجموعة كبيرة من النماذج، لكن الوقت لا يكفي لعرضها.
الكتاب الثاني من ضمن كتبهم المقدسة: مجموعة كتب تسمى كتب الملاحم، هذه الكتب لها دور كبير جداً عند الهندوس، وهي عبارة عن سير ذاتية لأشخاص أسطوريين، هم يقولون: لهم وجود، لكنك لو قرأت كتاباً منها تجد أن هذا الشخص الذي يتحدث عنه ليس له وجود، بل هو عبارة عن شخص أسطوري يتحدثون عن بطولاته وقوته وحياته وعبادته وجلوسه مع أهله ومع أولاده، ليعطوا الهندوسي نموذجاً فاضلاً لشخص فاضل؛ حتى يجعله قدوة، فكما أننا نقرأ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لنتخذها قدوة، هم يجعلون هذه الملاحم والأساطير؛ لتكون قدوات لأشخاصهم عندما يقرءونها أو يدرسونها.
من أبرز هذه الملاحم: ملحمة يسمونها الرامايانا، وهي ملحمة ضخمة جداً عبارة عن ثمانية وأربعين ألف بيت تقريباً في ألف صفحة، فالكتاب عبارة عن (١٠٠٠) صفحة مضغوطة ضغطاً عجيباً لا تستطيع أن تقرأه إلا بمجهر، الصفحة الواحدة فيها ٤٨ سطراً، والعادة في الصفحة الواحدة أنها تصل إلى عشرين، أو خمسة وعشرين، أو اثنين وعشرين سطراً، لكن الصفحة في هذا الكتاب فيها ثمانية وأربعون سطراً، مضغوطة ضغطاً شديداً، وهذه الرامايانا يقولون: إنها سيرة ذاتية لرجل اسمه راما، ويانا، يعني: سيرة، وهذا الكتاب يعد من أبرز كتبهم.
كذلك هناك سيرة لمجموعة من الأبطال فيما يرتبط بالحروب والمعارك، واسم هذه الملحمة المهابهارتا، وهو عبارة عن كتاب معارك؛ ليعطوا الهندوس قدوةً في القوة والشجاعة والبطولة ليتدربوا على البطولة والشجاعة من خلال سير هؤلاء، فتجدهم إذا جاءت معركة يقرءون قبل المعركة من سير هؤلاء، أما إذا كانت القضية ليست بمعركة فإنهم يدرسون سيرة الراما يانا.
أما الكتاب الثالث المشهور: فهو المانو سميرتي، وهو الكتاب الذي معي الآن، وهو الوحيد المطبوع باللغة العربية، ويحتوي على جزء كبير جداً من التعاليم المرقمة فمثلاً: في مجموعة حوالي ١٢ باباً، مثلاً باب: العبادات، فصل: الطقوس والعبادات اليومية، ٦٣: الزواج السافل وترك الأعمال الدينية، وإهمال قراءة الويدا وعدم تعظيم البراهمة، كل أولئك تبعث على انحطاط الأسرة وهكذا.
٦٤: إن مزاولة الصناعات اليدوية والأعمال التجارية إلى آخره.
يعني: نقاط كثيرة جداً، يحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف نقطة تربوية بالنسبة لهم.
وفي هذه النقاط أشياء مضحكة للغاية وفيها أشياء ساقطة للغاية، وفيها أشياء جيدة يثنى عليها، إنما هذا الكتاب هو الكتاب المشهور، ويقولون: إن (مانو) هو أبو البشر، فمعنى اسم الكتاب أي: قانون أبي البشر، يقولون: إن البشر ليس لهم أصل وبداية وليس لهم نهاية على حسب قولهم، لكن يقولون: أبو البشر أي: رجل مشهور في البشر واسمه مانو، وهو الذي أسس لبشريته الذين جاءوا من بعده هذا القانون الذي يسيرون عليه، وسوف نقرأ نصوصاً من هذا الكتاب بعد قليل إن شاء الله.