أيها الأحبة! تخيلوا معي عروساً تتهيأ وتتزين في الكوافير حتى تستقبل فارس أحلامها، وهذا هو حال النساء، بل هذا حال الرجال، لكن هناك امرأة كان حالها خلاف هذه الحال؛ لأن الهم يختلف، فهمها في الثريا، وهمنا نحن تحت الثرى.
هذه المرأة خطبها رجل من تابعي التابعين وصلحاء الناس، كان عابداً زاهداً داعياً، فوافقت عليه لأنها تعرفه وتسمع عنه، وعندما دخل عليها أراد أن يختبرها فجلس معها فترة من الزمن ثم رقد، متى رقد؟ رقد في ثلث الليل الآخر، فقالت له: ما هذا يا رياح بن عمرو القيسي؟ أتنام في وقت الاستجابة، أتنام في وقت تنزل فيه الرحمات، أتنام في وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا؟ قال: إنني متعب أريد أن أرتاح قليلاً، فقامت تصلي، وتكثر من الدعاء وتلح فيه، وعندما انتهى جزء من ثلث الليل، قالت له: قم لقد انتهى الجزء الأول فلا يفوتنك، فقال: أريد أن أرتاح دعيني أنام، فتركته حتى انتهى الجزء الثاني، ثم أيقظته وهو لم ينم، بل كان يراقبها بعين فاحصة، يريد أن يرى من هي هذه المرأة على حقيقتها، وعندما لم يبق من ثلث الليل إلا القليل قالت: قم فقد اقترب الفجر، قال: دعيني أنام، وعندما أذن الفجر قالت: قم يا رياح! تقولها بقلب يكاد أن يتفطر حزناً وألماً ثم ترفع يديها إلى السماء، وتقول: حسبي الله على من غرني فيك.
فهل لنا من نساء فيها جزء من ألف من هذه المرأة، معلوم أن ليلة الزفاف لها ميزة خاصة، فبعد قضائها فمن الممكن أن تناصحه وينصحها، لكن حال هذه المرأة لم يتغير، والثبات لم يتغير، والاستقامة لا يمكن التراجع عنها هذه هي حالهم.