للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة أب وأد ابنته في الجاهلية]

السؤال

أرجو أن تذكر لنا قصة البنت التي وأدها أبوها قبل الإسلام؟

الجواب

ذكرها الإمام الطبري في تفسيره وسأذكرها بتصرف، يقول الإمام الطبري: كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً بين أصحابه وفجأة دخل عليه أعرابي وجلس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ في سرد قصته، يقول هذا الرجل: تزوجت ومكثت مع زوجتي، وكنت إذا حملت هذه الزوجة أنظر فإذا كان المولود بنتاً أخذتها مباشرة ثم حفرت حفرة وألقيتها في التراب وهي حية، ثم رجعت إلى زوجتي، وإذا كان المولود ذكراً تركته، فقد كان يصنع هذا الصنيع باعتبار أن هذا المنهج كان منهجاً يعيشه بعض الناس في الجاهلية، يقول: وفي مرة من المرات حملت زوجتي وعندما ولدت وإذا بالمولودة بنتاً فأردت أن أصنع بها صنيعي بمن سبقها، فمنعتني زوجتي وبكت بين قدمي وتوسلت إلي أن أترك لها هذه البنت، فرحمتها وعطفت عليها وتركت لها البنت، فبدأت تربيها تربية حسنة حتى شبت البنت وترعرعت وإذا هي من أحسن البنات جمالاً وخلقاً ومحبة لوالديها، فبدأ الخطّاب يقدمون عليّ من كل مكان يريدون هذه البنت لتكون زوجة لأحدهم، فأخذتني الغيرة الجاهلية، وفكرت أأعطي ابنتي لرجل غريب؟! ثم عقد العزم وقرر قراراً تعيساً وهو: أن البنت لا بد أن تقتل، فقال لزوجته: أريد أن أسافر لأزور قرابتي في القرية الفلانية وأريد أن آخذ معي ابنتنا، فخافت الأم وقالت في نفسها: لقد حان موعد الرحيل الأبدي، ثم قالت له: أخشى عليها أن تصنع بها مكروهاً، فأعطاها الأيمان والعهود والمواثيق ألا يمسها بسوء وهو في قرارة نفسه كاذب، ثم اتجه مع القافلة إلى القرية المقصودة، وعندما وصل إلى طريق مهجور رأى في نهايته بئراً مهجورة، فاتجه بناقته وناقتها إلى البئر، فعرفت البنت ما يريد أبوها أن يصنع فقد كانت كبيرة وذكية، وقد سبق وأن حذرتها أمها وأخبرتها بما قد يمكن أن يصنع بها، فبدأت تبكي وتصرخ وتتمسح برداء والدها، وتقبل قدميه، وتتوسل إليه، وتطلبه الرحمة، فأخذ ينظر إليها وإلى جمالها فتأخذه الغيرة وينظر إلى البئر السوداء المظلمة فيرحمها، فأخذته الحمية الجاهلية فسحبها بشعرها بكل عنف وقسوة وألقاها على الأرض، ثم أخذ يجرها وراءه وهي تتشبث بكل صخرة وتريد النجاة لكن الرجل كان أقوى من المرأة، فسحبها إلى أن وصل إلى شفير البئر ثم نظر إليها النظرة الأخيرة وهي تتوسل إليه، ثم ألقاها في البئر فهوت فيه وهي تصرخ ولكن هيهات، وبعد الارتطام القوي أخذ صوتها المصحوب بالأنين والبكاء يخفت شيئاً فشيئاً حتى انقطع، ثم قفل الرجل عائداً إلى قريته.

وعندما وصل هذا الحد رفع رأسه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا عيناه -بأبي هو وأمي- تذرفان، وإذا الصحابة يبكون؛ فقد كان الموقف عنيفاً، ويمثل جريمة بشعة لا يمكن أن يتصورها إنسان، فقال المصطفى عليه السلام: (والله لو كنت معاقباً أحداً على عمل عمله في الجاهلية لعاقبتك، ولكن الإسلام يجب ما قبله).

هذا الموقف يعطينا مدى ازدراء المرأة في الجاهلية من قبل هؤلاء، فقد كانت المرأة محتقرة مهانة لا قيمة لها، وكما أن جاهلية الماضي كانت تعيش هذا المنهج فإن جاهلية القرن العشرين تعيش هذا المنهج، إذ المرأة لا قيمة لها مهانة مستذلة فليست سوى لعبة يلعب بها اللاعبون، ويستمتع بها الساقطون، فإذا كبرت نبذت، وأما الإسلام فقد أعزها واحترمها وجعلها في منزلة الرجل لها ما للرجل وعليها ما عليه، وليس ذلك إلا في الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>