[أهمية الدعوة إلى الله]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أيها الأحبة الكرام! أرحب بكم وأبارك لكم حضوركم في هذا اللقاء الطيب المبارك، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الأحبة! اعلموا -رعاكم الله- أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من أجل الأفعال وأعظم الأعمال التي يؤديها المسلم في دنياه ويحتسبها لآخرته ويضعها في ميزان حسناته، بل هي من الهموم التي تقعده وتقيمه ويفكر فيها ليل نهار يبحث عن نوافذ للأمل ومخرج من الضيق الذي تعيشه الأمم والأفراد.
أيها الأحبة! إن الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى يقومون بمهمة بالغة الشأن عظيمة الأهمية لا يعلم قدرها إلا من تعلق قلبه بها وجعلها محور حياته، فهي مهمة الأنبياء والمرسلين الذين ابتعثهم الله سبحانه وتعالى لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
أيها الأحبة! إن من سار على نهج الأنبياء واقتفى أثرهم من المصلحين العاملين الباذلين فهو داعية إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].
إن الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى هم الشموع التي تحترق لتضيء للناس طريق الهدى والحق، وهم وعي الأمة المستنير، وفكرها الحر، بل هم قلبها النابض، فهم أطباء القلوب المريضة والجريحة بل وحتى القلوب الميتة، وهم قادة سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن ابتعد عنها هلك وضاع، وهذه السفينة يقودها الدعاة وسط الأمواج المتلاطمة والرياح الهوجاء التي تحيط بها من كل جانب، هذه السفينة هي سفينة الأنبياء والمرسلين الذين قادوها ثم سلموا قيادتها إلى هؤلاء الدعاة الذين جاءوا من بعدهم.
فالدعاة لا يعيشون لأنفسهم ولا لملذاتهم ولا لشهواتهم؛ لأن الذي يعيش لنفسه يعيش صغيراً ويموت صغيراً وينسى في لحظات بعد موته، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
أما الدعاة الصادقون المخلصون فإنهم يعيشون لأمتهم ولمجتمعهم ولذواتهم ولأسرهم، فدعوتهم هي هم بالليل والنهار، وهي فكرهم في النوم واليقظة، وشغلهم الشاغل في السر والعلن، يؤثرون من أجلها التعب والنصب ويضحون في سبيلها بالوقت والجهد والمال، بل بالمهج والأرواح، ويستعذبون في سبيل نشرها وإبلاغها البلاء الشديد والعذاب الأليم.
أيها الأحبة! إن الحديث عن الدعوة حديث ذو شجون وحديث محبب إلى النفس؛ لأنه يعطي الإنسان زاده ليواصل فيه طريق الحياة الشاق الطويل إن مد الله في عمره، ولكنه طريق عذب؛ لأنه في سبيل الله؛ ولأن الداعية يعلم أن الله أمره بهذا، فهو يحقق إرادة الله سبحانه وتعالى فيه، ويسير على منهج الأنبياء في هذا المقام وفي هذا المجال.
والدعوة إلى الله لم تتوقف منذ بدأ أول نبي على وجه الأرض، ولن تتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه الدعوة يحملها من يحملها ثم يسلم الراية لمن يأتي بعده.
والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى تتميز بوسائل مختلفة ومتفاوتة تتغير بتغير الزمان والمكان فما كان معروفاً الآن لم يكن معروفاً قبل فترة وجيزة، وما كان معروفاً قبل تلكم الفترة لم يكن معروفاً قبل قرون.
إذاً: هذا التغير يدل على أن الدعوة إلى الله دعوة توقيفية اجتهادية في فروعها؛ مبنية على أصول توقيفية ثابتة راسخة، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] هذه القاعدة هي الأساس وهي المرتكز، فمن خلالها ننطلق ونجدد ونغير ونبدل وندرس حالة الشخص والمجتمع ثم بعد ذلك نستفيد من الإمكانية ثم نتجه بعد ذلك إلى استثمار الوسيلة الموجودة؛ لعل الله أن ينفع بها.
وهذا يدعونا إلى وقفة عتاب مع من يرى أن وسائل الدعوة جامدة، وأنها متوقفة على منهج معين، فالسلف الصالح استخدموا الوسائل الدعوية المتغيرة والمتجددة.