[النفاق الاعتقادي وأقسامه]
النفاق الاعتقادي: هو الذي يعتقده الإنسان بقلبه وبفؤاده وبضميره داخل صدره، لا يخرجه أمام الناس في الأصل، لكن فيما بعد يخرج أمام الناس لا محالة؛ لأنك سترى ذلك على وجهه وفي فلتات لسانه، وفي تصرفاته، وفي سلوكه، وهذا النفاق ينقسم إلى سبعة أقسام: القسم الأول: التكذيب الكلي للرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم تصديق خبره أي: تكذيبه تكذيباً كاملاً، وقد يقول قائل: إذا كان يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم تكذيباً كاملاً فهل يعتبر منافقاً؟
الجواب
هذا يعتبر كافراً؛ لأن هناك شعرة دقيقة بين هذا وهذا وهي أن المنافق إذا جاء عند المسلمين أظهر الإسلام، لكن إذا دخل مع غيره من أصدقائه وزملائه وغيرهم، فإنه يظهر التكذيب الكلي لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهذا أخذ الكل فكذب به.
وكل النقاط التالية عبارة عن إظهار شيء وإخفاء خلافه، وبالتالي فلا تفهم من هذا أنه يعلن ذلك علناً؛ لأنه لو أعلنه علناً لدخل في زمرة الكفار، ولخرج من زمرة المنافقين، فهذا القسم يظهر ما يبطن، أما أن يخفي هذا ويظهر غيره فهذا هو الخطر.
القسم الثاني: تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فتجده في مجالسه الخاصة يكذب أموراً ثابتة ثبوتاً قطعياً عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، فهو لا يكذب بأمور ليست أساسية في الدين، كأمر ورد فيه حديث حسن، لم ترد فيه آية ولا حديث متواتر، ولا حتى حديث صحيح، وإنما هو حديث حسن ليس من جهة أنه جاء عن الرسول عليه السلام، لكن من جهة أن هذا الحديث في سنده أو في متنه ضعف أو فيه غير ذلك فيكذبه، بل المقصود: أن يكذب أمراً ثابتاً عن المصطفى عليه السلام.
القسم الثالث: بغض الرسول عليه السلام.
القسم الرابع: بغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل الحجاب ثبت في القرآن وثبت في السنة، فتجد إنساناً يبغض ذلك، هو اسمه فلان بن فلان، اسم إسلامي كامل، ومسلم ويصلي ربما، ومع ذلك يبغض الحجاب؛ لأنه جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو لأنه لا يعجب هواه، وبذلك تجده يعارض، وينتج عن هذا البغض أن هذا الرجل يدخل في زمرة المنافقين، وأنبه هنا إلى نقطة مهمة وهي: أنه كثيراً ما يدخل الإنسان في النفاق وهو لا يشعر، وقد ثبت ذلك عن الصحابة والتابعين، كانوا يرددون ذلك مراراً وتكراراً، أنه يدخل في النفاق ولا يشعر، وقد روي عن عروة بن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أحد تابعي التابعين أنه قال: ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر، وروي وثبت: أنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على وقت رسول الله من الموبقات، وفي نص آخر: من النفاق، أدق في أعيننا من الشعر، لا قيمة لها وربما لا ترى، ومع ذلك كان الصحابة يعدونها نفاقاً.
إذاً: قضية النفاق قضية حساسة تحتاج إلى وقفات، وتحتاج إلى تنبه، فبغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هذا وارد كثيراً، خاصة من الصحفيين والكتاب والأدباء، يحصل كثيراً منهم ذلك، فتجدهم قد دخلوا في زمرة النفاق، شعروا أو لم يشعروا.
القسم الخامس: المسرة بانخفاض دين الإسلام.
القسم السادس: الكراهية بانتصار دين الإسلام.
فالكراهية بانتصار دين الإسلام: فإذا كان هناك جماعة إسلامية تريد الظهور والبروز ونشر الدعوة وغير ذلك، وتدخل في معترك سياسي معين، فتجد أن البعض يكره لهذه الجماعة أن تظهر، ويتمنى أن تظهر الجماعة المخالفة سواء كانت اشتراكية أو ماركسية أو غير ذلك من الجماعات.
فهذا يعد بحد ذاته باباً من أبواب النفاق قد يدخل صاحبه في النفاق الاعتقادي المخرج من ملة الإسلام.
وكذلك المسرة بانخفاض دين الإسلام، وأنا لا أذكر الأشياء الظاهرة البينة الواضحة، لكن أفترض أن هناك محل تسجيلات إسلامية، وجاء إنسان ورأى أن هذه المحلات قد أغلقت بسبب ما، ومحلات التسجيلات تحارب باستمرار، فرآها قد أغلقت، فتجده يفرح لأن هذا المحل قد أغلق، والفرح ليس نابعاً لأن هذا المحل أغلق، فهذه القضية نبعت من أن هذا الرجل كره أن يكون لدين الإسلام ارتفاع، فعندما انخفض في هذا الجانب الدقيق البسيط، فرح بذلك، فيعد هذا باباً من أبواب النفاق، ولذلك اربطوا هذا الكلام بقول الصحابة والسلف رضوان الله تعالى: إنكم تعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعرة، كنا نعدها من النفاق على وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القسم السابع: اعتقاد أنه لا يجب اتباع المصطفى عليه الصلاة السلام في قضية أو في قضايا، أحياناً يقول بعض الناس: هذه القضية حقيقة تنفع في أيام كان عصر المدينة عصراً صغيراً ومجتمعاً منظماً بشكل بدائي، والقضية ليست قضية تداخلات دولية واقتصاد عالمي وغير ذلك، فهذه تنفع، أما في هذا الزمان فلا، وهذا مثل العلمانيين، فالعلماني دائماً يدخل تحت هذا الباب، تحت قضية عدم وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل القضايا أو حتى في قضية واحدة، فتجده مصلياً ويحافظ على الصلاة، ومن أحسن الناس في هذا الجانب، لكنه يأتيك من جانب الاقتصاد فيقول لك: لا يا أخي! الربا حرام في المدينة؛ لأن المجتمع كان صغيراً، أما الآن فلا، ما نستطيع أن نقول ذلك؛ لأن السياسة الاقتصادية الدولية تفرض علينا ذلك، فلا بد أن نساير السياسة الدولية وإلا تخلفنا عنها، فتجده يدافع عن هذا الباب وعن هذا الجانب، هذا الرجل العلماني يدافع عن هذا الجانب؛ لأنه أراد أن يفصل الدين عن الاقتصاد، هذا الرجل يعد منافقاً في هذه القضية، ولذلك ما أكثر المنافقين في هذا الزمان وفي هذا العصر، كثيرون جداً في هذه التفصيلات وبهذا التوسع.