[قصة زيارة المرأة الروسية لأهلها مع زوجها وما حصل لهما معهم]
قال الموظف أثناء ذلك: لا بد أن تختمي الجواز من مدينتك أيها المرأة التي تنتمين إليها، فتقول هذه المرأة: وفعلاً ذهبنا إلى مدينتا، وقالت: فرصة نزور أهلي، نقول: فلما وصلنا مدينتي استأجرنا غرفة وختمنا الجواز وجعلنا فيها كل ما يخصنا، ثم ذهبت أنا وخالد لزيارة أهلي، فلما طرقنا الباب فتح الباب أحد الشباب الكبار، عندما نظر إلى أخته فرح واستغرب، أصيب بفرحة وردة فعل، الوجه وجه أخته، واللباس ليس لباس أخته، رأى سواداً يغطي كل شيء إلا الوجه، دخلت وهي تبتسم وتعانق أخاها ثم بعد ذلك دخلت وراءها فجلست في صالة المنزل، يقول: كان منزلاً شعبياً بسيطاً متواضعاً تحس آثار الفقر فيه، يقول خالد: جلست وحيداً، أما هي فدلفت إلى الداخل، يقول الزوج: كنت أسمع كلاماً لرجال ونساء بالروسية لا أفقه ما يقولون، ولا أعرف عن ماذا يتحدثون، ولكنني بدأت أسمع نبرات الصوت تزداد واللهجة تتغير والصراخ يزيد، فأحسست أن الأمر فيه شر، ولكنني لا أستطيع أن أقدر الأمور بقدرها، بناءً على عدم فقه اللغة، يقول: بعد مضي فترة من الزمن وإذا بثلاثة من الشباب ورجل كهل يدخلون علي، توقعت أن هذا بداية الترحيب بزوج ابنتهم، وإذا بالترحيب ينقلب إلى لكمات وضربات وكفوف، ويقول: وعندما نظرت إلى نفسي بين هؤلاء الوحوش رأيت أنني سأودع الدنيا، وليس أمامي إلا الهرب النجاة النجاة، وفعلاً فتحت الباب مسرعاً وهربت وهم ورائي، وضعت بين الناس، ثم اتجهت إلى غرفتي، وكانت ليست ببعيدة عن المنزل، نظرت إلى نفسي وإذا بورمات في وجهي وفي أنفي، وإذا بالدم يسيل من فمي، وإذا بثيابي ممزقة، فقد تلقيت ضربات عنيفة فعلاً، قلت: الآن أنا نجوت، لكن ما حال زوجتي؟ يقول: نسيت نفسي وبدأت أفكر في زوجتي، يقول: مشكلتي أنني أحببت زوجتي وعشقت زوجتي، لذلك لا يمكن أن أنساها وأفكر في نفسي، يقول: كانت صورتها أمام ناظري، هل فعلاً هي تتعرض في هذه اللحظة لنفس اللكمات والضربات والصفعات التي تلقيتها، أنا رجل وتحملت، لكن هي امرأة لن تتحمل أكيد ستنهار وستتركني، وسترتد، يقول: بدأ الشيطان يعمل عمله، وبدأت الأفكار تنقلب في رأسي يمنة ويسرة، لتستقر على أن لا زوجة لك بعد اليوم، يقول: ماذا أفعل؟ أذهب لا يمكن، النفس في ذلك البلد رخيصة، ممكن أن يستأجروا رجلاً لقتلي بعشرة دولارات، إذاً لا بد أن أبقى في غرفتي، يقول: فبقيت في غرفتي إلى أن أصبحت، ثم غيرت ملابسي وذهبت أتحسس الأخبار، أنظر إلى بيتهم عن بعد أرقبه وأتتبع كل ما يحصل فيه، لكن الباب كان مغلقاً، وفجأة فتح الباب وخرج منه ثلاثة من الشباب وكهل هو أبوهم، يقول: هؤلاء الشباب هم الذين ضربوني، وقد بدا لي من هيئتهم أنهم ذاهبون إلى أعمالهم، أغلق الباب وأقفل وأنا أرقب وأرقب وأنظر وأتمنى أن أرى وجه زوجتي، ولكن لا فائدة، وإذا بالرجال يرجعون من عملهم.
انظروا ساعات طوال يقول: وأنا أذهب وآتي في ذات الشارع، لكن لا فائدة، وفي اليوم الثاني كررته، وفي اليوم الثالث كررته، يقول: يئست وتوقعت أن زوجتي ماتت أو أنها قتلت، لكن لو كانت ماتت على الأقل سيكون هناك حركة في البيت، سيكون هناك نوع من العزاء القليل من بعض الأقربين، لكن لا أرى شيئاً، إذاً لا زالت على قيد الحياة، يقول: وفي اليوم الرابع بعد أن ذهب هؤلاء إلى أعمالهم وإذا بالباب يفتح، يقول: وإذا بوجه زوجتي ينظر يمنة ويسرة، يقول: لم أر منظراً في حياتي أروع من ذاك المنظر ولا أجمل من ذاك المنظر بالرغم من أن ذاك الوجه الذي رأيته كان وجهاً أحمر مخضباً بالدماء، يقول: فاقتربت مسرعاً ونظرت إليها وكدت أن أموت؛ لأنها انقلبت إلى لون أحمر بالدماء على وجهها وعلى ساعديها وفخذيها وساقيها، يقول: وليس هناك إلا خرقة صغيرة تسترها، وإذا بيديها وقدميها مربوطة بسلسة، وعندما نظرت إليها بكيت ولم أستطع أن أتمالك نفسي، قالت: اسمع يا خالد أولاً: اطمئن علي فأنا لا زلت على العهد، ووالله الذي لا إله إلا هو إنما ألاقيه الآن لا يساوي شعرة مما لاقاه الصحابة والتابعون، بل والأنبياء والمرسلون.
ثانياً: أرجوك يا خالد لا تتدخل بيني وبين أهلي.
ثالثاً: انتظر في الغرفة إلى أن آتيك إن شاء الله، ولكن أكثر من الدعاء، وأكثر من قيام الليل، وأكثر من الصلاة، فإن الصلاة هي الملجأ بعد الله سبحانه وتعالى، يقول: ذهبت وبقيت في غرفتي يوماً ويومين وثلاثة أيام، وفي آخر ليلة اليوم الثالث في آخر الليل يطرق الباب، قلت: من بالباب؟ أول مرة أسمع الباب يطرق ويشدة، يقول: أصبت بخوف شديد من الذي سيأتي في هذا الوقت المتأخر من الليل، لعل هؤلاء الرجال علموا بي، لعل زوجتي اعترفت نتيجة الضرب والجلد، فقالت: إنه يسكن في الغرفة الفلانية، فجاءوا إلي لقتلي، يقول: أصبت برعب الموت، يقول: لم يبق بيني وبين الموت غير قليل، وأنا أقول في هذه اللحظة: من بالباب؟ وأنا أشعر فعلاً أن يدي وقدمي قد وصل الموت إليها، يقول: وإذا بصوت ينساب لم أسمع أروع منه ولا أجمل منه ولا أجمل منه إنه صوت زوجتي، تقول: أنا فلانة، يقول: فتحت الباب وأضأت النور، قالت لي: الآن نذهب، قلت: على وضعك؟ قالت: نعم، يقول: أخرجت بعض الملابس فلبستها وأخرجت حجاباً وعباءة احتياطية فلبستها، ثم أخذنا كل ما لدينا، وركبت السيارة وقلت لها المطار؟ قالت: لا لن نذهب إلى المطار، بل نذهب إلى القرية الفلانية، لماذا نحن نريد أن نهرب؟ قالت: لا، إذا عرف أهلي بهروبي فسيبحثون عنا في المطار، لكن نهرب إلى قرية كذا، ثم من قرية كذا إلى قرية أخرى وثالثة ورابعة وخامسة، ثم إلى مدينة من المدن التي فيها مطار دولي، وفعلا ًوصلنا إلى مطار دولي وحجزنا، وكان الحجز متأخراً، ثم استأجرنا غرفة وسكنا، يقول: فكنت أنظر إلى زوجتي وما حصل لها، وفي أثناء الطريق كنت أسألها ما الذي حصل؟ قالت: عندما دخلنا إلى البيت جلست مع أهلي، قالوا لي: ما هذا اللباس؟ يعني: تفاجئيننا بهذه المفاجأة الحلوة، قلت لهم: لا هذا لباس الإسلام، طيب من هذا الرجل؟ هذا زوجي، أنا أسلمت وتزوجت بهذا الرجل المسلم، قالوا: لا يمكن هذا، فقالت: اسمعوا أحكي لكم القصة أولاً، فحكت لهم قصة ذلك الرجل الروسي الذي أراد أن يجرها إلى الدعارة وبيع العرض، قالوا لها: لو سلكت طريق الدعارة وبعت عرضك كان أحب إلينا من أن تأتينا مسلمة، انظروا إلى التعصب الشديد عند هؤلاء القوم، لكن لن تخرجي من هذا البيت إلا أرثوذكسية أو جثة هامدة، يقول: من تلك اللحظة أخذوني ثم كتفوني ثم جاءوا إليك وبدءوا يضربونك وأنا أسمع الضرب، تقول: وأنا مربوطة، ثم بعد ذلك تقول: عندما هربت أنت رجع إخوتي وذهبوا واشتروا سلاسل فربطوني بها، وبدءوا يجلدونني بأسواط عجيبة غريبة، من العصر إلى وقت النوم، أما في الصباح فإخواني في الأعمال وأبي وأمي في البيت، وليس عندي إلا أخت صغيرة عمرها خمس عشرة سنة، تأتي إلي وتتندر بي، تقول: هذا التندر هي فترة الراحة الوحيدة عندي، تقول: أحياناً أنام وأنا مغمى علي، فقد كانوا يجلدونني إلى أن يغمى علي وأنام، وكانوا يطالبونني فقط بأن أرتد وأنا أرفض، تقول هذه المرأة لزوجها: بعد ذلك حصل أن أختي أثناء التندر بدأت تسألني: لماذا تتركين دينك ودين أمك ودين أبيك ودين أجدادك إلى آخره، فكنت أقنعها وأبين لها وأوضح لها، فبدأت فعلاً تشعر باقتناع، وبدأت الصورة أمامها تتضح، وبدأت صورة الباطل الذي تعيش فيه يظهر، ففعلاً قالت: معك حق هذا هو الدين الصحيح، وهذا هو الدين الذي ينبغي أن ألتزمه أنا، عند ذلك قالت لي: اسمعي يا أختاه أنا سأعينك، فقلت لها: إذا كنت تريدين إعانتي فاجعليني أقابل زوجي، تقول: فبدأت أختي تنظر من علو، فقالت: إني أرى رجلاً صفته كذا وكذا، فقالت: هذا هو زوجي فإذا رأيته فافتحي لي الباب لأكلمه، وفعلاً تقول: فتحت الباب فخرجت وكلمتك، لكن هناك مشكلة كنت مربوطة بسلسلتين، أما الثالثة فكان مفتاحها مع أختي، وهي مربوطة في أحد أعمدة البيت حتى لا تخرج، وأختي معها هذا المفتاح حتى أتحرك في نطاق معين لو أردت أكرمكم الله الدورة، تقول: في الثلاثة الأيام التالية أختي اقتنعت بالإسلام، وقررت أن تضحي تضحية تفوق تضحيتي، فقررت أن تجعلني أهرب من البيت، لكن مفاتيح السلاسل مع أخي وهو حريص عليها، تقول في اليوم الثالث أعدت أختي لإخوتي خمراً مركزاً، إلى أن ثملوا بحيث صاروا لا يعون شيئاً، ثم أخذت المفاتيح من جيبه وفتحت السلاسل وجئت إليك في آخر الليل، إذاً: قلت لها: وأختك ما مصيرها؟ قالت: طلبت من أختي ألا تعلن إسلامها علانية وأن تستخدم السر الآن إلى أن نتدبر أمرها.
يقول: فحجزنا ورجعنا إلى البلد وأدخلت زوجتي المستشفى ومكثت فيه عدة أيام للعلاج من آثار الضربات والتعذيب.
أيها الأحبة: أنا أعتذر حقيقة عن الإطالة، ولكن طبيعة القصة تتطلب الإطالة، وهذه القصة تحتاج إلى وقفات ووقفات مطولات لاستنتاج واستجلاء الدروس والعبر، ولكني أترك ذلك لعقولكم ولقلوبكم، لأخذ الدرس والعبرة، فهذه امرأة حديثة عهد بإسلام لا تتكلم اللغة العربية ومن روسيا، ومع ذلك نهجت منهجاً قد لا يسلكه أو قد يتراجع عنه كثير من الرجال وليس النساء ممن ارتضعوا الإسلام من الصغر، وقد توافقنني على ذلك.
إذاً: هذه القصة فعلاً مؤثرة، وهذه القصة فيها عبرة وعظة ودرس، بل وفيها دروس، وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن نعيها جميعاً، وأن نأخذها لتكون أمام ناظرينا، وننقلها لتكون في قلوب وعقول زوجاتنا وبناتنا وأخواتنا، بل وأمهاتنا، ومن نعرف ومن لا نعرف؛ ليكون في ذلك نشر للخير ونشر للفضل، وليعرف الناس ويعلم الناس أن دين الله سبحانه وتعالى منصور، وأن الله ناصر دينه حتى ولو تخلى عنه أهله، حتى ولو حاربه وتزعم حربه أناس يعيشون بيننا ويتكلمون بلغتنا، وربما يصلون إلى قبلتنا ويتسمون بأسمائنا.
أسال الله سبحانه وتعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما سمعنا جميعاً حجة لنا لا حجة علينا، وأن يعيننا على أنفسنا، وأن يجعلنا ممن يستمع القول ويتبع أحسنه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم.