موقف ثان: ولعل المواقف التي ستتردد كلها مواقف موثوقة مذكورة على ألسنة علماء أفاضل قدماء ومعاصرين.
هذا شاب نشأ في فساد وضلال، درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة تخصص لغة إنجليزية، تخرج من هذا التخصص، وعمل في شركة، ترقى درجاته في هذه الشركة، وكان يمضي كل وقته في لعب ولهو وضلال وفساد، ولكن الله سبحانه وتعالى هيأ له سبل الهداية، وبين له طريق الحق فالتزمه وتمسك به وتشبث به، فأراد أن يكفر عما أمضاه من سنين عديدة في مجال الفساد، فصار يعتكف الخميس والجمعة في الحرم، ولكن هذا لم يكفه، فقرر قراراً ونفذ هذا القرار: وهو أنه اتجه إلى أفغانستان للجهاد أيام الروس، وكان قد أخذ إجازة استثنائية من عمله ثلاثة أشهر، ثم عاد بعد ذلك إلى بلده، وهو في شوق للعودة مرة أخرى إلى أفغانستان، وفي السنة الثانية ذهب إلى أفغانستان للجهاد ومعه زوجته تعلم وتدرس وتربي.
وفي السنة الثالثة ذهب لوحده إلى أفغانستان ودخل في معارك في جلال آباد حارب حرباً يريد بها الشهادة، يريد بها الانتقال إلى الله سبحانه وتعالى، وفعلاً نالها، فقد أصابته قذيفة هاون مزقت جسده قطعة قطعة، فحمل هذا الرجل في سيارة أحد المجاهدين -وهذا الرجل ممن أعرفهم- حمل هذا الرجل ولف في عمامته الأفغانية الكبيرة، وأثناء عودة السيارة به إلى أقرب قرية آمنة كانت رائحة المسك تفوح منه بشكل نفاذ، ودفن، وأخذت العمامة إلى الشيخ عبد الله عزام رحمه الله فسافر إلى الرياض في زيارة له بهذه العمامة كدليل وكبيان لوالده بأن ابنه قد استشهد، أخذ هذا الوالد هذه البشارة وحفظها لديه وأبقاها في حقيبة عنده، كان الزوار الذين يزورونه وبالذات الذين لهم صلة قوية به، كانوا يشمون رائحة المسك بعد أن تفتح لهم هذه الحقيبة بعد مضي أكثر من سنة من استشهاد هذا الرجل.
إذاً: هذه لحظة حاسمة ودقيقة وحرجة بينت النهاية، وأوضحت المصير لهذا الشاب.