[الطبقة الأولى طبقة البراهمة]
الطبقة الأولى: البراهمة وهم الآريون الأول، أو يسمون أنفسهم بالمختارين أو النبلاء، فأول ما جاءت الآرية إلى الهند، وجدوا أنهم سيندمجون وينطوون تحت مجتمع في عمومه ويذوبون، فجعلوا لأنفسهم تميزاً فأعطوا لأنفسهم اسماً مستقلاً هو اسم البراهمة أو الطبقة النبيلة أو الطبقة المختارة أو الطبقة الآرية أو غير ذلك، ووقد ورد في قوانينهم المانو سميرتي حقوق هذه الطبقة، ومنها: من حقوق هذه الطبقة على الملك ألا يبغض البراهمة، حتى ولا في أوقات المصائب؛ لأنه إن فعل ذلك أباده البرهم، إما بجيشه أو مراتبه.
إذاً: البرهمي له قدرة عجيبة حتى على إبادة الجيش؛ لأنه هو المختص أو المرتبط بالله.
ويقولون: إن الطبقات الأربع خلقها براهمة وهو الإله الأقوى عندهم، فالبراهمة خلق الطبقة الأولى من رأسه ووجهه، وخلق الطبقة الثانية من كتفيه وعضديه ويديه، وخلق الطبقة الثالثة من فخذيه، لاحظوا الفرق في المسافة بين الفخذين واليدين، وخلق الطبقة الرابعة من قدميه، فيقولون: إن هؤلاء خلقهم براهمة من رأسه ومن وجهه، وهو أعظم ما في الإله، وبالتالي فهم في القمة، يقولون كذلك: وكيف ينجو من الهلاك من يغضب ذاك الرجل الذي جعل النار تهلك كل شيء، وجعل ماء البحار أجاجاً غير مشروب، وأنقص القمر وزاده.
إذاً: البراهمة لهم القدرة كذلك على التصرف في أمور الكون! لاحظوا الهالة التي يريدون أن يضفونها على أنفسهم، وهي موجودة إلى الآن، يعني: لا تتوقعوا أن القضية قديمة، بل إنه إلى الآن الطبقية موجودة في الهند، ولذلك أحياناً تدخل بعض المدن فتجد رجلاً يملك آلاف الفدانات من الأراضي والقصور وغير ذلك، وتجد أناساً بجانبه في الشوارع يغتسلون من مياه المجاري ويأكلون من فضلات الطعام، وهذا بسبب الطبقية؛ لأنه فرض على هؤلاء -يعني: على الطبقة الأخيرة- كما سنعرف بعد قليل أنه لا يأكلون إلا من الفضلات، حتى إن بعضهم لا يأكل إلا من الفضلات تديناً.
وقد قال أحد الإخوة: في يوم من الأيام سافرت إلى الهند لعمل، فسكنت في فندق من الفنادق يقول: وقرب الفجر قمت من النوم، فسمعت ضجة وكلاماً فنظرت من النافذة وإذا بصف من الناس لا ترى له طرفاً، فسألت الاستعلامات: من هؤلاء؟ فلم يخبرني، فبحثت حتى أخبرت بالسبب، قال: هؤلاء يجلسون الصفوف على فضلات الفندق، أي: كلما عبأ الفندق كيساً أو زبالة فيها شيء أخذها مجموعة يتقاسمونها إما ستة وإما خمسة، بحسب الاتفاق بينهم، وهذا الكيس إما أن يكون فيها أكل أو ليس فيها أكل، المهم أنهم يتقاسمون ما فيها أياً كان هذا الشيء، يقول: وكان هناك بجانب الفندق عدد كبير من القصور الضخمة، يقول: سألت أصحاب الفندق: لمن هذه القصور؟ قال: هذا قصر الكاهن، وهذا قصر المشرف على المعبد، وإذا كلهم داخلون تحت تصنيف البراهمة.
يقول: وكيف يفلح من يؤذي ذلك الرجل الذي يستطيع أن يخلق عالماً آخر وآلهة يحفظونه؟ فانظروا يخلق هذا الرجل عالماً آخر ثم يخلق إلهاً يحفظه، يعني: يخلق إلهاً ليحفظه هو، وهذه من الأمور التي تضحك، باعتبار أنه هو الذي يخلق إلهاً، وهو الذي يستطيع أن يغير الأماكن العالية، ويستطيع أن يجعل إله القمر إله الشمس، ويغير إله الشمس إلى إله النجوم بحسب مزاجه ورأيه.
فمن جاء بإيذاء للبرهمي فإنه سيتعرض لجملة مسائل من ضمنها قصر العمر، وقضايا كثيرة جداً.
نحن قلنا: إن هؤلاء الآريين ميزوا أنفسهم أولاً بالصفة المعنوية أي: نحن ونحن ونحن، ثم الصفة المادية، إذ أرادوا أن يضفوا على أنفسهم صفات مادية معينة، فأي مال يكتسبه أحد أفراد الطبقة المنبوذة فإن للبرهمي الحق في الاستيلاء عليه حلالاً؛ لأن هذا رقيق ولا يمكنه أن يملك شيئاً، وإذا تعرض البرهمي إلى سب من الطبقة الرابعة فإنه يقطع لسانه، وإذا تعرض البرهمي لمناداة باسمه الصريح فإنه يقطع لسان من تعرض له، وإذا تعرض البرهمي إلى إيذاء في الطريق قطعت رجل الذي آذاه، بل يقولون: حتى لو وضع الشودري زنبيلاً أو ورقة في طريقه قطعت رجله، أي: الشودري هذا.
إذاً: مجمل هذا الكلام يبين أن البراهمة الذين هم الآريون الأصليون الاستعماريون أرادوا أن يضفوا على أنفسهم هذه الهالة.
إذاً: معنى هذا: أن المستعمر في الجملة يريد أن يفرض نفسه، وهذه قضية ليست عند الآريين فقط، بل هي عند اليهود الذين استعمروا فلسطين، بل عند المستعمر القديم الإنجليزي أو الفرنسي الذي استعمر البلاد العربية، يريد أن يفرض نفسه بهذا الأمر.
فالطبقة الأولى هي طبقة البراهمة، وهي الطبقة التي يدعي أصحابها أنهم خلقوا من رأس الإله الذي هو براهما، ويقولون كذلك: إنه خصص لهم عمل وهو إدارة المعابد وتقديم القرابين وتلاوة الويدا وقراءته في المعبد، واستقبال الناس في المعبد وأخذ القرابين منهم، طبعاً الاستفادة منها فيما يخصهم هم، وكل من تعرض لهم بسوء فإنه يعاقب بعقوبات أضعاف أضعاف ما تعرض من السوء أياً كان الذي تعرض له، والبرهمي الصغير الذي يبلغ من العشر سنوات يعادل عشرات من الكشتر الذين يلونهم، حتى ولو كانوا كباراً، وحذاء البرهمي يعادل المئات من الطبقة الأخيرة الشودر وهناك نقطة استغلها بعض الهنود هناك، وهي أن المنبوذين يشكلون حوالي ٧٠ إلى ٨٠ مليون نسمة في الهند الآن، فالمسلمون الذين هم هناك استغلوا هؤلاء المنبوذين، فقالوا: انظروا هؤلاء هم أعيانكم لا يسمح لكم بقراءة الكتب المقدسة، ولا يسمح لكم بتكليمهم أو التحدث معهم أو مناقشتهم أو أو بل يهينونكم ويذلونكم وغير ذلك، وهذا جعلهم فعلاً ينفرون، فعندما عرض عليهم الإسلام استجابوا، ولذلك كثيراً ما تدخل قرى بأكملها في الإسلام نتيجة لذلك.