من الجوانب التي أحب في الحقيقة أن أنبه عليها فيما يتعلق بالأولاد: مسألة التربية، وأركز على مسألة التربية وأبينها بشكل موجز ومختصر، لأن الوقت لا يكفي لعرض كل القضايا، ولكن عبر نقاط مركزة رئيسية حول هذه المسائل تجعلنا نفهم المقصود.
فأول مسألة هي: جعل الابن مع قرين السوء، قد يقول قائل: لماذا ركزت على هذه النقطة كنقطة أولى؟ أقول: مع العلم أنها مسألة لا تأتي لاحقاً عندما يبلغ عمر الطفل ثماناً أو تسعاً أو عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة راقبناه، لا، بل إن الطفل يتأثر من القرناء منذ الطفولة منذ السنة الأولى، وسأضرب لكم مثالاً على ذلك: هذا طفل صغير عمره سنة أو سنة ونصف أو سنتين كان يلعب مع طفل آخر عمره سنتين أو قريب من ذلك، وأحد هذين الطفلين كان قد رأى منظراً وموقفاً في أحد الأفلام، فأراد أن يطبقه مع هذا الطفل الآخر، فطبقه، ثم هذا الصغير بعد أن ذهب صاحبه كان يذهب إلى إخوته ويعرض نفسه وعمره سنتان أو سنة ونصف، كان يعرض نفسه ويطلب منهم فعل كذا وكذا، انظروا إلى قرين عمره سنة ونصف مع طفل عمره سنة ونصف، وكانت النتيجة أن وقع في هذه القضية التي تستغرب أن تحصل.
إذاً: هذه مسألة كان يركز عليها العلماء ولذلك قيل لـ مالك بن نبي أحد المفكرين الذي عليهم بعض المآخذ، لكن له بعض الجوانب الحسنة، روي عنه أن رجلاً جاءه وقال: إنني رزقت بابن وعمره الآن شهران أو ثلاثة أشهر، وأريد منك أن تدلني على منهج تربوي أطبقه مع هذا الطفل، قال: يا أخي تأخرت في الاستشارة.
لاحظ ماذا قال له: تأخرت في الاستشارة، يعني: كان ينبغي عليك أن تستشير قبل ذلك، قد يقول قائل: إن هذا فيه مبالغة، نقول: ليس هناك مبالغة، وإنما الذي ينبغي للمرء أن يهتم بالجانب التربوي من حين اختيار الزوجة الصالحة.
يقول مصطفى السباعي في كتابه (هكذا علمتني الحياة) جنب ولدك قرين السوء كما تجنبه المرض المعدي، وابدأ ذلك منذ طفولته، وإلا لم ينفع الدواء، ولعل قضية التربية من القضايا التي تنمو مع الطفل وتترعرع معه شيئاً فشيئاً، فهو كلما كبر سنة أخذ هذه الجوانب التربوية وطبقها معه؛ لأنها تزرع في قلبه وتثبت في كيانه فلا تزول، ولذلك يقول الشاعر: علم بنيك صغاراً قبل كبرتهم فليس ينفع بعد الكبرة الأدب إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخشب