للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القسم الثاني كفر الإباء والاستكبار مع التصديق]

هو مصدق ومؤمن بقلبه وبلسانه ومقر بذلك، لكنه وصل إلى درجة الاستكبار والتكبر على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو عموم الرسل، ومن أبرز هؤلاء فرعون، فهو كان يعلم أن موسى صادق: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء:١٠٢]، لكن {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨].

إذاً: هو مقر، لكنه استكبر وأبى، باعتبار أنه إن آمن فقد هذا الملك، فكان الإباء والاستكبار هو الداعي له لهذا التكذيب.

كذلك إبليس: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤]، فكانت النتيجة أنه انقلب إلى الكفر.

إذاً: الإباء والاستكبار هنا وارد بالنسبة لإبليس، فهو مقر بربوبية الله وألوهيته، كما في قوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:٤٨]، وكما ورد في آيات كثيرة، لكن الإباء والاستكبار هو الذي جعله يرد هذا المورد المهلك.

وكذلك اليهود، فقد ثبت في القرآن الكريم أنهم يعرفون الرسول كما يعرفون أبناءهم، بل وأشد من معرفتهم لأبنائهم؛ لأنه ثبت أنهم قد جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد! والله إنا لنعرفك أشد مما نعرف أبناءنا؛ لأننا قد يتطرق إلى أبنائنا الشك في مسألة أن تكون زوجة أحدهم قد جاءها طفل من غيره، بطريقة أو بأخرى، أما أنت فنعرفك أشد مما نعرف أبناءنا، ومع ذلك كفروا؛ لأنهم استكبروا استكبار حسد وتكبر.

إذاً: القضية قضية تكبر، وليست قضية أن هناك لبساً، أو أن هناك شكاً في هذه النبوة.

كذلك ما ثبت عن أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مات على الكفر: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦]، فقد ثبت أنه قال: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً إذاً: هو أقر مع التصديق، وهذا هو كفر الإباء مع التصديق.

وفي البيت الثاني قال -كأنه يلتمس لنفسه عذر-: لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً فهو يخاف أن يقول له أبو جهل: تركت دين عبد المطلب، تركت دين آباءك، تركت دين أجدادك.

فهنا بسبب هذين الأمرين لم يلتزم بدين الرسول صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه كان مصدقاً، فكان مستكبراً آبياً، فكفره كفر إباء واستكبار، أبى أن يؤمن لهذا السبب.

كذلك ما ثبت عن أبي جهل أنه كان يقول: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، كانوا ينفقون وننفق، ويتصدقون ونتصدق، ويطعمون ونطعم، ويكرمون ونكرم.

كفرسي رهان أي: بجانب بعض لا تدري أيهما يسبق.

لكن في نهاية المطاف قالوا: منا نبي، فمن أين لنا بنبي؟ إذاً: ليس هناك إلا الكفر الدائم بالرسول صلى الله عليه وسلم، فأثبت ذلك وأقر هذا الأمر.

كذلك ما ثبت عن الرجال بن عنفوة الذي كان وزيراً لـ مسيلمة الكذاب، عندما جاءه رجل يحاجه في مسألة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكذب مسيلمة وقال: والله! إنني أعلم أن محمداً صادق، وأن مسيلمة كاذب، ولكن كاذب ربيعة أحب إلي من صادق مضر، والنبي صلى الله عليه وسلم من مضر، ومسيلمة من بني حنيفة من ربيعة.

إذاً: هو مصدق ومؤمن بالأمر بجملته، لكن قضية الإباء والاستكبار والتكبر هو الذي جعله يقول هذا الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>