قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن إيمان قوم يونس ما نفعهم إلا في الدنيا دون الآخرة، لقوله (كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) ويفهم من مفهوم المخالفة في قوله (في الحياة الدنيا) أن الآخرة ليست كذلك، ولكنه تعالى أطلق عليهم إسم الإيمان من غير قيد في سورة "الصافات" والإيمان منقذ من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، كما أنه بين في "الصافات" أيضاً كثرة عددهم وكل ذلك في قوله تعالى: (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله:(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) ، (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) سورة يونس: ١٠٠، ونحو هذا في القرآن، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول.
قال ابن كثير: يقول تعالى (ولو شاء ربك) يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وقال تعالى (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً) ولهذا قال تعالى (أفأنت تكره الناس) أي تلزمهم وتلجئهم (حتى يكونوا مؤمنين) أي ليس ذلك عليك ولا إليك بل الله (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) ، (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)(ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء)(لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين) .