الأولى: أن في الآية تهديدا لكفار مكة، وتخويفا لهم من أن ينزل بهم. ما نزل بغيرهم من الأمم التي كذبت رسلها أي أهلكنا قرونا كثيرة من بعد نوح بسبب تكذييهم الرسل، فلا تكذبوا رسولنا لئلا نفعل بكم مثل ما فعلنا بهم، والآيات التي أوضحت هذا المعنى كثيرة كقوله في قوم لوط (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون) ، وكقوله فيهم أيضاً:(إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم) .
الجهة الثانية: أن هذه القرون تعرضت لبيانها آيات أخر فبينت كيفية إهلاك قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وفرعون وقومه من قوم موسى، وذلك مذكور في مواقع متعددة معلومة من كتاب الله تعالى، وبين أن تلك القرون كثيرة في قوله:(وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا) .
الجهة الثالثة: أن قوله (وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) فيه أعظم زجر عن ارتكاب ما لا يرضى الله تعالى، والآيات موضحة لذلك كثيرة جداً كقوله:(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون، إنه عليم بذات الصدور) وقوله: (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) الآية.
قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) يقول: من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته، عجل الله له فيها ما يشاء، ثم اضطره إلى جهنم، قال (ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) مذموما في نعمة الله مدحورا في نقمة الله.
وأخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله:(مذموما) ، يقول: ملوما.