قوله تعالى (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذاب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين)
قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عبّاس: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد الطلب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم نفارقه، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلة له، بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولي المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يركض بغلته قِبل الكفار.
قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكُفّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيْ عبّاس ناد أصحاب السَّمُرة". فقال عباس (وكان رجلا صيِّتا) : فقلتُ بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطْفتهم، حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك! يا لبّيك! قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. قال: ثم قُصِرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على بغلته، كالمتطاول عليها، إلى قتالهم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا حين حَمِيَ الوطيسَ". قال: ثم أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار. ثم قال:"انهزموا وربّ محمد".
قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال علي هيئته فيما أرى. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته. فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبراً.
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو خيثمة، عن أبي إسحاق قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا. والله ما ولّى رسول